بحثا عن مادة للكتابة، كنت أقلب بريدي في حساباتي على ايميل، فوجدت هذه الرسالة مهملة من عام 2013 وقد بعث بها لي مكتب المعارضة الإيرانية المركزي في باريس آنذاك لأنشرها فنسيتها ووجدتها اليوم، وها أنا أنشرها وفاء لكاتبها ولحبيبته هدية.
الغالية هدية،
بعد أن جاوزنا الخمسين لم يعد يشغلني أنّ حاجبيك معقودان مثل أجدادنا من العصر الإخميني، ولم يعد يعنيني أنّ عينيك مسحوبتان مثل نساء أصفهان على مدى العصور، ولم تعد تعنيني أشياء أخرى كثيرة تختص بها علاقة المرأة بالرجل إن امتدت عقودا طوال، وصار كل ما يعنيني فعلا أن أجدك كيفما كنت.
افترقنا قبل عامين وسط معمعة طردنا من مخيم أشرف في الخالص، الى مخيم ليبرتي في مطار بغداد. كلاهما في الواقع بات سجنا، وفي كليهما نحن أسرى. لكن في شباط من هذا العام 2013 وفي مخيم ليبرتي فقدنا 106 من نسائنا ورجالنا في قصف صاروخي لم يعلن عن مصدره. أما في أشرف فلنا تاريخ يمتد الى أكثر من ربع قرن، ولنا اصدقاء ومصالح ارتبطت بسكان المنطقة حولنا.
غادرت أنت مع من غادروا الى ليبرتي بأمل أن تؤسسي لنا مأوى مؤقت نغادر من خلاله الى بلد بديل آخر. ولم التحق بك، وما عدت أستطيع أن أترك أرضنا وبيتنا في أشرف وسط فوضى العراق وغياب دولته.
هكذا مضى عمرنا يا هدية، من منفى الى منفى، ومن بديل الى بديل، ومن مباديء تتكيء الى ماركس وغيفارا وتاريخ كاسترو، الى مباديء تائهة بين الإسلام السياسي وبين اليسار العربي وبين ضغوط اليسار الفرنسي حيث إستوطن مريم ومسعود.
تمسكنا بعمرنا ودماء أحبابنا الذين خسرناهم في معارك لم تتضح هويتها حتى اليوم، بدءا من محاولة اغتيال خامنئي قبل 32 سنة والمعارك الضبابية التي تلتها، ومرورا بمعارك مرصاد حيث دخلنا أرض إيران على دواليب مدرعات بنهارد البرازيلية التي أهداها لنا صدام حسين، لنكون في صف العدو محاولين تحرير شعبنا من حكومته، وانتهاء بنزع سلاحنا ومعارك قتلنا المتعاقبة التي بدأت مع زلزال العراق السياسي عام 2003 ولم تنته بعد، فنحن متفرقون، بلا سلاح وبلا هوية، ولكن الجميع يتآمرون لقتلنا.
موقف المجتمع الدولي مائع، فهو ليس معنا وليس ضدنا، وأمريكا رفعت إسمنا من قائمة المنظمات الارهابية، ولكنها لم تمنحنا مخرجا من العراق. أهلنا في إيران يخشون حتى الإقتراب من بيوتنا، وأغلب المدن والقرى تتعامل معنا باعتبارنا وباء خطيرا.
ما يهمني، أن تكوني بخير وسالمة، لم يبق لي في العالم سوى أنت، ولست أعرف بعد إن كنت سأراك ثانية.
لم يعد مهما أن نحرر الوطن من سلطة المعممين، فالمنطقة تسير برمتها الى خيمة الإسلام السياسي. ولم يعد مهما أن نعيد ثورة عام 1978 الى نهجها اليساري، لنتولى ريادتها بعد أن غاب “توده” وانحلّت منظمة ” فدائيي خلق”. لم يعد مهما أن تنجح “بيجاك ” في كردستان إيران في قطع طرق إمداد قوات الجيش والحرس الثوري في معسكراتها بالمنطقة.
لم يعد ذلك مهما، فنحن ننقرض بالتقسيط، وقد جاوزت أعمارنا الخمسين، ويبدو أنّ نضالنا لم يصل بعد للقرى الإيرانية في الحدود مع العراق، فمتى يصل طهران؟
أبحث عنك يا هديتي، ولم تعد الأحلام تخدعني.
*وصلتني هذه الرسالة بعد أن لقيَ مرسلها همايون تقي بور مصرعه في هجمات غامضة طالت معسكر أشرف يوم الأحد، الأول من ايلول/ سبتمبر 2013 .
0 تعليق