تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

مقاتلات إسرائيلية فوق بغداد المحاربة!

مايو 20, 2022 | 0 تعليقات

في الساعة الخامسة وخمس وثلاثين دقيقة بتوقيت بغداد من بعد ظهر يوم الأحد السابع من حزيران/ يونيو 1981، أغارت طائرات F-16 إسرائيلية على مفاعل التويثة في ضاحية جنوبية من بغداد. كانت الغارة أول تجربة ميدانية للمقاتلة الأمريكية الفذة F-16.

صُعق العقيد فخري حسين جابر، وتدلى فكه وانفتح فاه فيما جفت أوتار حنجرته، ورغم حرارة الصحراء العراقية الشديدة، فقد انتاب البرد أطرافه، وهو يكاد لا يصدق ما يشاهده.

ثماني طائرات من طراز F-16 مطلية بألوان مرقطة صحراوية، تحلق بتشكيلة هجوم واحدة متناسقة فوق ضواحي بغداد الجنوبية الغربية. ينحرف السرب يسارا بزاوية حادة، فيما يتناثر خيط بخار مغادرا أجنحتها المحملة بالصواريخ. وما تلبث الطائرات، أن باشرت واحدة تلو الأخرى بإيقاد مخارجها النفاثة الوسطى وهي تتخطى الحافة الجنوبية للعاصمة بغداد.

الرعد الذي فجره السرب باختراقه أجواء العاصمة دفع سكانها إلى رفع أنظارهم إلى أعلى لمشاهدة ما يجري. ولم يلبث الطيارون أن اعادوا سحب عصي القيادة الجانبية، فارتفعت الطائرات إلى أعلى في سماء العصر الصيفية الصافية، وكرة نار برتقالية تتقد تحت زعنفة ذيل كل منها وهي تتسلق الجو. على الأجنحة رسمت نجمة داوود الزرقاء، (لكن عددا من الطيارين الذين شاركوا في الضربة، أكدوا أنّ علامات التمييز الخاصة بالمقاتلات الإسرائيلية قد جرى تمويهها، وكانت الطائرات المغيرة مرقطة باللون الصحراوي، وعليها مثلث خاكي اللون، يضم مجسماً رمزياً لمفاعل تموز). “الإسرائيليون فوق سمائنا” هكذا ردد البغداديون بهمس لم يسمعه حتى من يقفون إلى جوارهم، فهذه حقيقة مخيفة تفوق الخيال.

فريق الطيارين الاسرائيلي الذي نفذ عملية اوبرا على مفاعل اوزيراك

وصل ارتفاع السرب إلى 5 آلاف قدم، وكانت أجنحة الطائرات تواجه الشمس ما يحجبها عن أبصار الناظرين إليها من الأرض، في زحمة الدهشة وفي وميض بعد الظهيرة العراقي الحامي. وتنقلب المقاتلات المهاجمة على ظهورها، فتنكشف أجنحتها المحملة بقذائف وصواريخ زنة طن واحد. وسرعان ما يتنازل السرب منخفضاً ليعتدل متكاسلا باستقامة المدى. ثم لا تلبث أن تفرغ حمولتها المكونة من قذيفتي Mark-84 متأخرة التفجير زنتهما 2000 باوند تطلقها كل طائرة لتنفجر في قلب فخر الصناعة العراقية الجديدة، مفاعل أوزيراك فرنسي التصميم بنسخته العراقية وتفتت قبتي المفاعلين تموز 1 وتموز 2 الايطالي التجريبي الصغير خلال أقل من دقيقتين لشدة القصف. فيما بقيت الأجزاء الأخرى من المنشآت سالمة. وما لبث أن غادر المهاجمون دون أن يتركوا خلفهم طائرة محترقة.

مضادات الجو الدفاعية العراقية المنتشرة حول المكان، حاولت أن تصيب آخر الطائرات المهاجمة وهي تغادر الموقع، لكن سرعة طواقم المدفعية وارتباكهم، أدى إلى سقوط قذائفهم على موقع مدفعية م. ط آخر في جانب المربع الترابي كانت طائفته تحاول هي الأخرى إصابة الطائرات المهاجمة. وفي اللحظة التي انهار فيها موقع المدفعية البعيد بنيران صديقة، بدأت القنابل التي استهدفت الهدف بالانفجار بسبب توقيتها المتأخر عمداً.

قتل في الغارة متعهد فرنسي من العاملين لشركة Air Liquide، علاوة على 10 جنود عراقيين، ولم يتأكد إن كان مقتلهم نتيجة الغارة الإسرائيلية.

ما إن استعاد العقيد فخري حسين جابر توازنه في اليوم التالي للغارة، حتى ساقه عناصر من حماية صدام حسين إلى ساحة الإعدام برفقة ضباط الكتيبة 112 والكتيبة88 المكلفتان بحماية موقع مفاعل التويثة. أعدم ضباط الكتيبتين بتهمة عدم كفاءتهم وفشلهم في الدفاع عن أهم هدف استراتيجي في البلد. هذا الهدف كان يضم الأمل العراقي الكبير ببرنامج التسلح النووي.

وتلت وسائل الإعلام العراقية بيانا أعد سلفاً جاء فيه، أن جهة اجنبية هاجمت العراق محاولة تدمير برنامج تسلحه النووي.

هذه المرة لم يكن المنفذ الطيران الإيراني الذي كان يتوقعه العراقيون، بل إسرائيل من خلال عملية أوبرا، وهي واحدة من أنظف وأنجح الغارات الجوية التي نفذت في تاريخ القوة الجوية الإسرائيلية في 7 حزيران/ يونيو 1981. من الناحية الاستراتيجية، تقارنها مدارس التاريخ العسكري بغارة بيرل هاربر، وبغارات ناغازاكي وهيروشيما من حيث دقة الإصابة والمفاجئة وحجم التدمير، وسلامة الفريق المنفذ.

عملية أوبرا كان يطلق عليها شعبياً في إسرائيل الاسم العبري “عوفرا”، فيما تطلق عليها الدوائر السياسية غير العسكرية تسمية  “عملية بابل”، أما تعريفها العسكري المتفق عليه فهو” عملية أوبرا”.

فوق هذا، هناك جانب متصل بموضوع الغارة، لم يتحدث عنه أحد، وحتى بعض الكوادر العراقية العاملة في المفاعل كانت تجهله. فقد كان ملحقاً بموقع التويثة، موقع ضيافة عشتار، الواقع في المدائن، على نهر دجلة، خلف طاق كسرى الشهير. موقع الضيافة هذا، كان يسمى “دار الضيافة” كان معداً لإيواء العاملين في المفاعل وعائلاتهم، ومجهزاً بمسابح وبناد وبسوق حرة، وفي خدمته حافلات صغيرة، وكان في الأصل منشآت معدة لسكن كادر شركة نفط العراق إيراب الفرنسية منتصف سبعينيات القرن الماضي.

في هذا الموقع، كان يوجد نادٍ ليلي، يتردد عليه الفرنسيون، وعددهم يتجاوز 150 خبيراً، ومعهم بضعة خبراء ايطاليين. عناصر المخابرات والاستخبارات والأمن العراقية تقوم على حماية المكان، ودأب بعض عناصر القيادات العراقية على التردد على النادي وعلى السوق الحرة فيه.

غروب يوم السبت السادس من حزيران/ يوليو، دخل فجأة إلى مجمع عشتار موكب سيارات مرسيدس سوداء، هو موكب رئيس جهاز المخابرات آنذاك والذي ترجّل ودخل إلى نادي المجمع، ثم جلس إلى طاولة منفردة في زاوية تطل على حديقة النادي، كانت الصالة شبه فارغة، حيث أن أغلب العاملين كانوا في حوض السباحة. طلب علبة بيرة هاينغن الهولندية التي كان يفضلها، وجلس يتجرع جعته وينظر إلى الموجودين وإلى الحديقة، فيما انتشر عناصر حمايته في المكان. ظهرت امرأة رشيقة أنيقة، وهي بملابس التنس، تنورة بيضاء قصيرة، وتي شيرت بولو أبيض، وحذاء كتاني أبيض، واتجهت إلى البار، فطلبت عصير فاكهة، وبدأت تتجرعه، ثم انتبهت إلى وجود الرجل المرعب جالساً في زاوية المكان، فابتسمت له، وبادلها الابتسام واتجهت لتجلس إلى طاولته.

بعد أن تبادلا التحية قال: أريد أن اقضي الليلة في بيتكم.

ضحكت المرأة، وقالت له غير ممكن، زوجي موجود.

ولكن، يمكن أن أرسله إلى مكان يقضي فيه الليلة، فيخلو لنا الدار؟

لا، لدي اليوم موعد مع جارتين للذهاب إلى نادي الصيد، تلقينا دعوة للسهر هناك الليلة. يمكن أن نلتقي غداً…على أن ترسل زوجي في مأمورية عمل يوم وليلة غد.

كانا يتبادلان الحوار بالعربية، وكانت عربية السيدة الفرنسية مضحكة، لكنّ الموضوع الذي يجمعهما لا يحتاج في العادة إلى كثير من الكلمات، وهكذا فإنّ ما تعرفه السيدة من العربية كان كافياً.

في اليوم التالي، تلقى الفرنسي جيرار أمراً من السلطات العراقية، يلزمه بالبقاء في المفاعل بانتظار خبير إيطالي سيزور المكان ليلاً، وطُلب منه أن يرافقه، ويشرح له بعض ما كان يجري في المختبر الكيماوي الملحق بالمفاعل. وهكذا غادر جيرار المجمع السكني الساعة الرابعة بعد الظهر على أن يلتقي الخبير الإيطالي في الساعة الخامسة والنصف بعد ظهر يوم الأحد السابع من حزيران 1981. والسؤال هو، هل كان التوقيت الذي منح للمهندس جيرار عفوياً، أم أنّ له علاقة بالغارة الاسرائيلية؟

لكنّ جيرار لم يُقتل في الغارة، بل قُتل المهندس دامين شوسبيه البالغ من العمر 25 عاماً في الرواق الرابط بين المفاعل وبين مختبر الأيونات الملحق به ساعة وقوع الغارة، ولم يُفهم قط سبب وجوده قرب المفاعل في هذا الوقت.

*فصل من كتاب اوبرا اوزيراك

تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

مقالات ذات صلة

حكايات ساخرة بلا مناسبة

حكايات ساخرة بلا مناسبة

يصف الكاتب محمد حسين صبيح كبة برنامجاً روسياً افتراضياً عن لقاءات مع الناس ومع مهندسي نفط روس حول برج للنفط مائل الطباع بناه العراقيون، ويمضي ليصف أشياء أخرى غير ذات صلة بالنفط وابراجه. الحكاية بدأ الأمر بشكل لطيف وبدم خفيف. كان الأمر على شكل كاريكاتير في كتاب عن...

قراءة المزيد
كتابات ومفارقات

كتابات ومفارقات

يرى محمد حسين صبيح كبة أن فكرة التحول مما بين بشري وحيواني ونباتي وجمادي هي فكرة رهيبة راودت بعض العلماء مثل ذلك مثل محاولات العرب والمسلمين أمر محاولاتهم في الكيمياء وفي غير الكيمياء مثلا أمر إكسير الحياة ومثلا أمر تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب. الفكرة ممكنة...

قراءة المزيد
من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم

من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم

كتابات ساخرة من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم. يروي محمد حسين صبيح كبة طرفة تفيد أنّ خطيباً في أحد المساجد هبط من المنبر بعد خطبته وهو يرتجف من الخوف بعد أن أحاط المصلون به من كل جانب، ثم قالوا له بكل وضوح: قولك وخطبتك أن موقعة بدر كانت بالدبابات والقنابل...

قراءة المزيد

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *