مدينة تطل على بحيرة…فهي وجهة سياحية، لكنّ هذه هي أقل مؤهلات مدينة مريوان الكردية في غرب إيران، فهي مخزن الأسرار والممنوعات وأنواع التجارة الخطرة بين العراق وإيران، وهي متنفس لكثير من الإيرانيين ينفذون منه إلى العراق وتركيا، هرباً من قائمة ممنوعات السلطة الدينية التي تخنقهم. المواقع الإيرانية لا تتحدث ابداً عن مدينة مريوان سوى بموجب الخطاب الرسمي المتاح للجميع على صفات الانترنت. هذا التحقيق لا يخضع للخطاب الرسمي الإيراني ولا العراقي.
مريوان المدينة الإيرانية الواقعة على ضفاف بحيرة زريبار وتملك حدوداً مشتركة مع إقليم كردستان العراق بطول 100 كيلومتر وتطل على حوض بنجوين التابع لمدينة السليمانية. هذه المدينة تضم مركز استخبارات كبير مرتبط بفيلق القدس، ينظم عمليات مرور وانتقال الإيرانيين والعراقيين من وإلى كردستان العراق.
الايرانيون المولدون في إقليم كردستان إيران (طبقاً لبطاقات هوياتهم) يحق لهم زيارة إقليم كردستان العراق بدون تأشيرة دخول ونفس الأمر يصدق على الكرد المولودين في إقليم كردستان العراق طبقا لبطاقاتهم الشخصية. هذا التسهيل الإداري في ظاهره يسهل إلى حد كبير تمرير العمليات اللوجستية والاستخبارية، وتهريب النفط العراقي إلى إيران.
ولهذا السبب تتحرك رؤوس المال الإيرانية والكردية العراقية بحرية في مدينة مريوان التي تعد نحو 195 ألف نسمة. وباتت أغلب الفنادق والمطاعم والمقاهي فيها مراكز لتنظيم عمليات تهريب البضائع من إيران إلى العراق، وتهريب النفط والمشروبات الكحولية من العراق الى إيران.
وعلى المعابر الحدودية المشتركة ومنها معبر باشماق، تصطف حوضيات تحمل لوحات عراقية وهي تعبر إلى إيران محملة بالنفط المهرب بشكل مستمر. سياسياً، ينشط عناصر المعارضة الايرانية من حزب بيجاك (حزب حیات آزاد کردستان)، والكومله بشدة في مريوان وما حولها، ويستهدفون بعملياتهم عناصر قيادية من الحرس الثوري الايراني تعمل تحت غطاء في المنطقة.
في الثاني والعشرين من شهر تموز/ يوليو 2018، نفذ عناصر بيجاك الذين تربطهم روابط عقائدية وتنظيمية بحزب العمال الكردستاني التركي (بي كا كا) عملية نوعية كبرى بقرية دري الحدودية استهدفت قوة من مركز مخابرات الحمزة ” قراركاه حمزه”، واسفر الهجوم الذي جرى بقنابر الهاون عن مقتل 11 عنصراً من عناصر السباه (حرس الثورة)، واصابة 8 بينهم جنود.
وسارعت الجهات المسؤولة عن القوات الكردية العراقية (بيشمركة، اسايش) إلى نفي وجود أي علاقة لعناصرها بما جرى، فيما هددت السلطات الإيرانية في اقليم سنندج الإيراني الذي ترتبط به مريوان إدارياً بعقاب وخيم سيصيب عناصر الحركة الكردية في المنطقة.
إمام جمعة مسجد مريوان ماموستا مصطفى شيرازي كشف في إحدى خطب الجمعة تفاصيل اغتيال ابنه واثنين من أصحابه عام 2009. جاء ذلك، في صيف عام 2018 عشية تنفيذ حكم الإعدام بالقتلة، وقد تسرب بشكل غير رسمي انّهم من عناصر بي جاك الحركة الماركسية الكردية التي تقلق النظام بهذه المدينة.
لكن هذه ليست كل القصة في مريوان، فهذه المدينة باتت ملاذاً للإيرانيات الهاربات من بيوتهن، حيث يسكنّ في بيوت مؤقتة (غرف مؤجرة من بيوت سكان المدينة وقراها)، ويعملن في مهن ترتبط بالدعارة والغناء وجلسات الكيف (تداول الأفيون) والتهريب في المنطقة، لاسيما أنّ عدد الفنادق والكازينوهات تكاثر بشكل ملفت للنظر في المنطقة.
عدد كبير من أولئك النسوة، يغامرن بالانتقال مع المهربين عبر الحدود إلى إقليم كردستان العراق، ليعملن بشكل (مسكوت عنه) في كابريهات وفنادق أربيل والسليمانية ودهوك في كردستان العراق، ويعدن لذويهن بدخلٍ عالٍ بسبب فروق العملة بين البلدين.
وتصاعدت وتيرة حركة النساء، وحركة بيع المشروبات الكحولية بين مريوان وكردستان العراق، مع اشتداد الحصار الأمريكي الدولي على الاقتصاد الإيراني منذ مطلع عام 2018 طبقا لقرارات دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي آنذاك.
عناصر وقيادات أجهزة الأمن الإيرانية تحاول أن تغض الطرف عن هذه الظاهرة، مقابل خدمات أخرى تعرضها تلك النسوة بشكل خاص لهم. لكن عناصر من “كميته أمر به معروف ونهي أز منكر” المتشددة، تطارد الفتيات والنسوة بشكل وحشي، بل وتعمد إلى قتلهن أحيانا رغم الحماية غير المعلنة من قبل عناصر الأمن والإدارة المحلية لمنطقة كردستان إيران لهن.
محلياً، تتميز نساء مريوان بقوتهن، وارادتهن الصلبة، وفي منتصف عام 2016، شنت النساء حملة منظمة لاستخدام الدراجات الهوائية بشكل يومي، وهو أمر ممنوع على النساء في إيران، ما شكل تحدٍ صارخ للسلطة في هذه المنطقة. وسلط إمام جمعة مريوان الأنظار مراراً على أنّ استخدام النساء للدراجة الهوائية “حرام” ! لكن السلطات لا تستطيع أن تفرض المنع الفعال بشكل مستمر. كما بات الحال في طهران، حيث تستخدم آلاف النسوة الدراجات الهوائية والنارية للتنقل في العاصمة المختنقة بالسكان والتلوث.
على صعيد آخر، ما برح مسؤولو السلطات الإيرانية يحذرون من عمليات تهريب واسعة للمواد الغذائية، وخاصة مفردات البطاقة التموينية العراقية إلى إيران، لاستخدامها في الطبخ داخل مطاعم وفنادق مريوان لأنّ أسعارها منخفضة. وسبق أن حذر محمد شفيعي قائمقام مدينة مريوان من مستوى شراء العراقيين المنتظم للمواد الغذائية والسلع بشكل يومي بوتيرة عالية من أسواق مريوان ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل جنوني على الإيرانيين.
وكشف المسؤول الإيراني أن نحو 1100 شخص يعبرون يومياً عبر معابر بنجوين الرسمية لشراء المواد الغذائية والسلع التجارية بالجملة من الأسواق الإيرانية ونقلها إلى العراق محققين بذلك أرباحاً كبيرة بسبب انهيار التومان الايراني أمام الدينار العراقي في هذه المرحلة. ولابد من الإشارة هنا، إلى أن المهرّبين بدورهم ينقلون كميات كبيرة من البضائع الايرانية إلى العراق، كما ينقلون كميات كبيرة من المشروبات الكحولية غير الممنوعة في العراق إلى السوق الإيراني حيث الطلب عليها مرتفع للغاية، ومقابل ذلك يهربون الترياك (الكيف) من إيران إلى العراق.
يشار إلى أنّ حجم اقبال العراقيين على الشراء من الأسواق الايرانية عبر الحدود الكردية شمالاً والعربية جنوباً بين البلدين ارتفع بنسبة 90 % ، بسبب انهيار العملة الإيرانية.
الأخطر من كل هذا، وما لا يتكلم عنه إعلام الحكومة الإيرانية ولا إعلام كردستان العراق، هو عمليات تهريب وبيع المشتقات النفطية المدعومة بشكل جنوني إلى العراق عبر المعابر الحدودية لمدينة مريوان، لكنّ مصادر محلية في معبر باشماق، أكدت عبر الهاتف، أنّ حوضيات النفط العراقية التي تُهرب النفط الخام العراقي إلى إيران مباعاً بأسعار زهيدة مقارنة بأسعار النفط الدولية الرسمية، تحمل في رحلة عودتها مشتقات مصنعة، وخاصة البنزين والديزل من السوق الإيراني وتعود لبيعها في إقليم كردستان العراق بأسعار تنافسية خارقة.
*فصل من كتاب “إيران دولة المساجد العميقة”.
0 تعليق