قد تختصر السعادة لدى كثيرين بالتئام شمل العائلة إلى نار المدفأة في ليالي الشتاء، حيث يدور الشاي على الجميع باستكانات مذهّبة ترافقه المعجنات. بعد فاصل الأخبار تقشّر الأم أو الأخت أو الأب البرتقال والتفاح واللالنكي لتوزيعه حصصاً على الجميع، فيما يعرض التلفزيون فلماً مصرياً، تتخلله أغانٍ ورقصات بألوان ساحرة، وتنتهي السهرة بسلام.
أن يرافقهم كتاب وهو خير جليس في الزمان لدى كثير من الناس أينما ذهبوا، يصبح لكثيرين مصدر سعادة دائم آمن، ومثله السعادة العائلية التي تجمع الناس في دفء الشتاء، وهو ليس بالأمر العسير، فقد عاشت أجيال من العراقيين في ظل مفهوم السعادة العائلية الجميلة، ودفء البيت النظيف. لكن هذا لا يصح على الجميع، والمشكلة هنا، فما أجده نموذجا مثالياً للسعادة المطلقة، لا يجده سليم العازب الباحث عن اللذة كذلك، فبالنسبة له، الوصول المتكرر الى أسرار الأنثى، وتلمّس الحقائق والدفء في أدق المواضع وتسلق المنحدرات الخطرة ومسارات الشوق الغامض هي أحلى لحظات الحياة، لذا هو ينأى بنفسه وبأنثاه قدر ما يستطيع عن إجتماع الأسرة وتحلّق الأحبة من الأبناء ونسائهم والأخوات ورجالهن. ميادة، صديقة سليم، هي الأخرى لن تجد سعادتها في إلتئام الأسرة.
من يحب المال و- الأغنياء هم كذلك دون أستثناء- يجد سعادته في جني مزيد منه، ومراكمته متحلقا بالذهب والماس إن أمكن، تزيّن كلّ ذلك بيوتٌ فخمة، وسيارات مطهمة، وثياب وأحذية وعطور من أغلى المناشيء.
ومن يحب الجاه والسلطة والنفوذ، تراه مستعدا ليقتل شقيقه وأقرب خاصته في سبيله، وقد قتل سلاطين الأتراك وخلفاء الأمويين والعباسيين وملوك أوروبا أقرب أهل بيوتهم لهم ليحافظوا على ملكهم وسلطانهم. وأحدهم وإن بدا مهذباً محباً رؤوفاً ورعاً تقياً، فإنه مستعد لأن يشهر خنجره ويقتل من ينازعه السلطان حتى إذا اختبأ في جوف الكعبة، ولن يخدع الآخرين أن زهده مكتوب فوق باب بيته بعنوان ” إنما الملك لله”، فقد صار معنى الآية الكريمة شعارا لكل أغنياء المسلمين، وهي لعمري مفارقة مضحكة.
سعادة القتلة
الأخطر هو من يحب القتل، وهم كُثر، بل هم أكثر من أن نتخيل، فما إن إنكسرت القبضة الحديدية لصدام حسين، حتى انطلقت كل وحوش القتل والتعذيب من أوكارها في دوائر الأمن إلى الشارع لتمعن في الناس قتلا. حدث هذا بالطبع بسبب إنهيار الدولة، لكن تفسيره أنهم يحبون القتل وسعادتهم فيه، وأذا كانوا يقتلون لحساب نظام صدام بحكم وظائفهم، فهم يقتلون اليوم إرضاء لغرائزهم دون مقابل، بل وفي الغالب في سبيل الله!
وتراودني خواطر مريعة حين أرى مشاهد مرعبة تنتشر في كل مكان عن أفعالهم ” من يذبح انساناً بهذه السهولة، يجد نوعاً من المتعة في فعله، وإن لم تكن متعة فهو نوع من التشفي والفخر والتيه بالتفوق على الضحية، ولكن العجيب أنهم ليسوا مئات، ولا ألوفاً، بل يبدو اليوم أنهم مئات الألوف”.
هذه الألوف الكاسرة البارعة في انتزاع الأرواح تمتلك بيوتاً، ونساء وأبناء وأحفاد أحيانا، فهل يجدون سعادتهم في أن يجالسوا أُسرهم حول مدفأة شتاء تعطرها قشور البرتقال؟
نحن نختلف في كل شيء، لذا تتفرق بنا الطرق وتتصادم المصالح لحد الإقتتال، وسعادتي التي أجدها بسيطة، يقف دونها، مُلك ومجد وجاه ومليارات الدولارات التي تسيل مع النفط لجيوب البحارة والقتلة، نحن نريد بيتا ومحبة حميمة، وهم يريدون جاها وملكا يقتلوننا دونه لتكتمل سعادتهم ببيت دافئ وأسرة محبة وجمع من الأبناء والبنات والنسبان والكنات. هو صراع أرادات تسيل معه السعادة بمجرى الدم إلى البالوعات ومجاري المياه الثقيلة.
ألم يكن صدام حسين أباً وجداً تلتئم حوله عائلة كبيرة؟ اليس بشار الأسد أباً يحب أن يجالس عائلته إلى موقد المحبة؟ ألم يكن أسامة بن لادن أباً؟ السعادة إذاً مفهوم نسبي، والقتل قد يكون لكثيرين منفذاً للسعادة.
ملهم الملائكة
0 تعليق