تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

قصة الجنس الثالث بألمانيا..حرية بلا حدود

يناير 31, 2022 | 0 تعليقات

المسكوت عنه حتى في بيوت العالم العربي هو وجود الجنس الثالث. غالباً يسمونهم الشاذون جنسياً منكرين فكرة وجود جنس ثالث أصلاً. لكنّ قضية المثلية باتت جزءاً من ثوابت وحقائق الحياة، ويتزايد اهتمام الإعلام بها، ونجح الإعلام الغربي الناطق باللغة العربية في أحيان كثيرة في كسر تابوهات التحريم المتعلقة بالمثليين، وسلط الضوء على حقيقتهم، كاشفاً الموقف الأخلاقي والاجتماعي، وموقف الأديان منهم. الجنس الثالث نوع آخر من الهوية الجنسية.

نادي وحمام المثليين بمدينة كولونيا

بمدينة كولونيا ناد شهير للمثليين (التي تضم أكبرتجمع للجنس الثالث في المانيا). ذهبت إلى هذا النادي لأرى ما خلف الأبواب المغلقة. هو في الحقيقة حمام كبير. في المدخل لحظت وجود صور اعلام عدد من الدول بينها علم تركيا وعلم إيران الشاهنشاهي وعلم العراق من عهد عبد الكريم قاسم وعلم لبنان وعلم سوريا وعلم المغرب وعلم تونس وأعلام اوروبية وآسيوية وأفريقية.

من منضدة الاستقبال غير الانيقة، تطلع إلي رجل في الثلاثين من عمره وفي ملامحه أكثر من سؤال، بادرته بالقول، كيف أتمكن من لقاء بعض المثليين العرب والمسلمين؟ ابتسم الرجل قائلا: يا سيدي لا يوجد عندنا ” مومسات ذكور – ميل بروستيتيوتس” ! وهي التسمية التي تطلق على الصبيان الذي يمارسون الجنس مقابل أجور. قلت له محاولا أن أمحو ابتسامته الصفراء: أنني صحفي وأود ان أجري لقاءات مع المثليين العرب والمسلمين. تغيرت الابتسامة المتدلية من جانب الفم الى ابتسامة ترحيب عريضة، وسارع الى تسهيل اللقاء بمن اريد.

بعيدون عن التجهم، تملأ البسمة وجوههم، ويدب قوس قزح في ألوان ملابسهم، تحلقوا حولي وفي وجوههم أكثر من سؤال. ولكي أبدد تساؤلاتهم بدأت هجومي بالقول، هل من سؤال قبل أن نبدأ الحوار؟ قال أحدهم بلهجة لبنانية: أود أن أسألك أنا، ما موقفك من المثليين؟ هل تعتبرهم أشراراً فاسدين؟

أجبت بعفوية: لست معادياً لهم، فأنا لا أرى فيهم ضرراً على المجتمع؟

قال آخر بلهجة عراقية: لو افترضنا أن ابنك جاء وقال لك إنه مثلي، ماذا ستفعل؟

أجبت بمنتهى الجدية: أنا لا أتدخل في خيارات أبنائي عموماً، وهو إن شاء أن يكون مثلياً فلن يخبرني على الأرجح لأنه سيعتبر هذا من خصوصياته. وبادرته بالقول: منذ متى أنت في ألمانيا؟ فاجأني بأنه لم يمض في ألمانيا سوى 4 أعوام، فسألته بسرعة محاولاً أن اتجاوز غصة حرج تعلقت بحنجرتي: هل كنت من الجنس الثالث في العراق؟

قال: نعم موضحاً إنه كان يشعر منذ الصغر بميول للذكور، ولكنه استفاد من وجوده في ألمانيا بصفة لاجئ وصار يمكنه أن يلتقي بحرية بمن يشبهونه. قلت له وأنا اتجنب النظر في وجهه: هل أنت سالب، أم موجب؟

ضحك وهو ينظر في وجهي وقال: هذه من الخرافات الشائعة عن المثليين، ليس هناك مثلي سالب ومثلي موجب، إنهم يتبادلون الأدوار، لأنّ رغبات المثلي تكون أحيانا ذكرية وفي أحيان أخرى انثوية.

حاولت أن افتح جهاز تسجيل الصوت لأسجل بعضا من الأحاديث الا أن أغلب الموجودين (خصوصاً العرب منهم) رفضوا ذلك، مفضلين الاكتفاء بلقاء مكتوب دون صور ودون أصوات.

المثليون يحميهم القانون ويمارسون حياتهم بحرية تامة DIEGO SANCHEZ

حريتهم وحريتنا

قلت للبناني: في لبنان يعيش الجنس الثالث حرية نسبية، فلديهم أندية يلتقون بها، وهم لا يتحرجون عن الكشف عن أنفسهم في تلك الاندية، فهل وجت شيئاً جديداً من حرية المثليين في ألمانيا؟

قال م. ص: الأندية التي تتحدث عنها في لبنان هي أماكن يعمل فيها مومسات ذكور، ويلتقي هؤلاء الصبية بزبائنهم (من عرب الخليج في الغالب) في هذه الأندية، وهم لا يكشفون عن أنفسهم بالشكل الذي نراه هنا، بل يغرون زبائنهم كما تفعل فتيات الملاهي، وهذا ليس شكل من الحرية بل هو امتهان للإنسان، هؤلاء يبيعون أنفسهم مقابل بضعة دولارات.

دخل الحديث شاب من تونس فقال: الحرية التي تتوفر لنا هنا تصل إلى حد الاعتراف بالحق المدني، أنا متزوج من رجل هولندي، وعقد زواجنا رسمي موثّق في المحكمة. أين تجد مثل هذه الحرية في بلادنا؟

اغتنمت فرصة انفتاحه في الحديث وقلت له: ماذا تستفيد من عقد زواج من رجل، إذا كنت تستطيع ان تعيش معه وتفعلان ما تشاءان أمام أعين الناس دون اعتراض؟ أليس الزواج نوعاً من القيد في هذه الحالة؟

ضحك قائلا: إنه قيد إلى حد ما، فزوجي لا يمانع أن أضاجع من اشاء من النساء، لكنه لا يسمح لي قط أن أنام مع أي رجل؟ فوق ذلك، فهناك ترتيبات ضريبية تساعد المثليين المتزوجين، ويجري الحديث عن حق المتزوجين المثليين في تبني طفل ليعيش معهم كأبن لهما.

سألته بسرعة: هل أنت سالب مع زوجك؟ ضحك وهو ينظر الي بغنج وقال: نعم أنا سالب معه لأنه يكبرني بخمسة عشر عاماً، أنا في الخامسة والعشرين وهو في الأربعين…إنه زوجي، وأنا امرأته في هذه الحالة؟ ولكني ذكر مع الاناث، وعندي أكثر من صديقة.

عدت إلى محدثي العراقي أسأله: ماذا تقول في هذا، إنه سالب على مدى الخط؟

ضحك وقال: متى ما قرر أن يفترق عن زوجه سيكون حراً في انتخاب شريكه، وهكذا سيكون سالباً أحياناً وموجباً في أحيان أخرى!

بادر التونسي بالحديث مرة اخرى قائلا: نعم، أتفق معه فيما قال، لكني في الوقت الحالي مستمتع بدور الزوجة.

قلت له: منذ متى أنت متزوج؟

قال: عشنا كأصدقاء سنتين، ونحن متزوجان منذ سنتين.

التفتُ إلى رجل تركي في اوساط الثلاثين من عمره يجلس إلى يميني، أسأله بالألمانية: ما وضع المثليين في تركيا؟

الجنس الثالث في الريف أكثر

قال: العلاقات المثلية شائعة في الريف التركي أكثر من المدن، وقد تزايد حجم الظاهرة في السنوات العشر الاخيرة لأنّ المجتمع الريفي التركي أصبح أكثر محافظة مما كان وصار اختلاط الجنسين أصعب، فتوسعت ظاهرة الجنس الثالث؟

قلت له: معنى كلامك أن سهولة الاختلاط والحرية الجنسية تقلل من ظهور الجنس الثالث؟

أجاب متلعثماً: ليس بالضبط، ولكني غادرت تركيا منذ 10 أعوام ، وقد زرتها آخر مرة قبل عامين فوجدت المثليين في كل مكان من الريف، وأعتقد أن السبب هو الكبت، فالشبان لا يجدون إناثاً يستجبن لهم، فيبحثون عن ذكور يتشبهون بالإناث وهذا طبيعي…الموضوع مثل العرض والطلب، حين توجد إناث يذهب أغلب الذكور اليهن، وحين لا توجد إناث يصبح بعض الذكور إناثاً ويذهب الذكور لهم، هذا ما يحدث في عالم الحيوان أيضا، فخيول السباق لا يحق لها الاختلاط لأنّ العلاقة الجنسية تفقد الحصان كثيراً من قوته ولا يعود يركض بسرعة، ما يحدث في اسطبلات خيول السباق أن أحد الأحصنة يتحول بمرور الوقت إلى فرس ويبدأ يدعو إليه الخيل بأن يرفع ذيله إلى أعلى كاشفا عن مؤخرته،  وحالما يدرك مدربوهم ما يحدث يسارعون الى ابعاد الحصان الذي تحول الى فرس، او إلى قتله بحقنه بمادة سامة، تماما كما يحدث في بعض بلداننا مع الجنس الثالث!

قال مهران.ت. وهو إيراني يتحدث الألمانية: إنهم يعدمون المثليين المساكين في ميادين المدن الإيرانية، لا لشيء إلا لأنهم دعاة محبة وسلام، وفي العراق يلصقون مؤخراتهم بالغراء لكي يقتلوهم، وفي السعودية يقتلونهم بالرصاص بتهم المشاركة مع تنظيم القاعدة بعمليات ارهابية، هناك دائماً ذريعة لقتل المثليين، وأعتقد أن المصري المسكين الذي قتله رجال الأمن في الاسكندرية كان مثلياً وفبركوا له تهمة وقتلوه.

قلت له: منذ متى أنت مثلي يا مهران؟

أجاب: اخترت الجنس الثالث منذ كنت في الرابعة عشرة من عمري، واليوم صار عمري 32 عاماً، أنا لا أميل قط إلى النساء، طلباتهن كثيرة وهن مزاجيات في الغالب ويصعب إرضائهن، هن لا يصلحن حتى لأداء وظيفتهن الطبيعية “الزواج” ، وسيأتي يوم يقرر أغلب الرجال فيه أن يعيشوا مع رجال آخرين بدلاً من العيش مع نساء.

قلت له وأنا لا أخفى ابتسامتي: ولكن ليس كل الرجال مثليين!

قال: هذا كلام بعيد عن الحقيقة، في كل إنسان ذكر وأنثى، والأمر يعتمد على أيّ منهما يسود الانسان، فإذا ساد الذكر يصبح هذا الإنسان ذكراً حتى إذا كان امرأة، وإذا سادت الأنثى يصبح أنثى حتى إذا كان رجلاً!! هكذا هو الأمر، فيك الآن ذكر وأنثى، ولكنك منذ صغرك رجّحت الذكر، فأصبحت ذكراً وصار لك ابناء، لكن “غيدو فيستر فيله” وزير خارجية ألمانيا الأسبق على سبيل المثال لم يكن مثلك، فقد تساوى عنده الذكر والأنثى فاختار أن يعيش مع زوج (أو زوجة ذكر!) لا ندري…على كل حال هو نموذج لازدواج الجنس في هذا العصر، ولم يؤثر هذا قط على مستقبله السياسي، تخيل مثلاً لو كان وزير الخارجية في سوريا أو قطر مثلياً؟ كيف سيكون وضعه؟

قلت بسرعة محاولا أن أمسك بشاطئ من وضوح الرؤية: هل تعتبرون المثلية ظاهرة طبيعية، أم أنكم تجدون لذة في هذا الفعل فتحاولون أن تصوروه على أنه أمر طبيعي؟ تعالت الأصوات واندلع خلاف واضح.

قلت للعراقي الذي حدثني في البداية: لو وجدت عند أخيك الصغير جداً ميولاً مثلية، هل تحاول أن تغير مسار هذه الميول باتجاه الضدية الجنسية، أم ستشجع هذا التوجه عنده وتدفعه إلى أن يكون مثلياً؟

ألّجمه السؤال فلتعثم قبل أن يجيب: لا أدري حقاً، لم أجرب مثل هذا الامر، ولا أعرف إن كان أخي الصغير يمتلك ميولاً مثلية، عليّ أن أواجه التجربة لأقرر ماذا سأفعل، لكنه حقيقة تحد صعب جداً!

غامت الرؤية وتعقّد المشهد فوقفت أودعهم، قال مهران الإيراني: شكرا للقاء، أرجو ألا تحذف منه شيئاً، وأود أن أقول لك إن الجنس الثالث في ألمانيا سوف يحيي في 18 حزيران/ يونيو وحتى الثالث من تموز – يوليو المقبل مهرجان “فخر المثليين” في كولونيا تحت شعار “لأجل حقوق الإنسان”، أنا أدعوك للحضور وتغطية الفعاليات وسأبعث لك إيميل فيه رخصة تتيح لك المشاركة.

شكرتهم وقررت مع نفسي أن أغطي هذا الموضوع نهاية تموز المقبل.

ملهم الملائكة/ فصل معدل من كتاب اللذة القريبة من الحب

تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

مقالات ذات صلة

حكايات ساخرة بلا مناسبة

حكايات ساخرة بلا مناسبة

يصف الكاتب محمد حسين صبيح كبة برنامجاً روسياً افتراضياً عن لقاءات مع الناس ومع مهندسي نفط روس حول برج للنفط مائل الطباع بناه العراقيون، ويمضي ليصف أشياء أخرى غير ذات صلة بالنفط وابراجه. الحكاية بدأ الأمر بشكل لطيف وبدم خفيف. كان الأمر على شكل كاريكاتير في كتاب عن...

قراءة المزيد
كتابات ومفارقات

كتابات ومفارقات

يرى محمد حسين صبيح كبة أن فكرة التحول مما بين بشري وحيواني ونباتي وجمادي هي فكرة رهيبة راودت بعض العلماء مثل ذلك مثل محاولات العرب والمسلمين أمر محاولاتهم في الكيمياء وفي غير الكيمياء مثلا أمر إكسير الحياة ومثلا أمر تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب. الفكرة ممكنة...

قراءة المزيد
من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم

من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم

كتابات ساخرة من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم. يروي محمد حسين صبيح كبة طرفة تفيد أنّ خطيباً في أحد المساجد هبط من المنبر بعد خطبته وهو يرتجف من الخوف بعد أن أحاط المصلون به من كل جانب، ثم قالوا له بكل وضوح: قولك وخطبتك أن موقعة بدر كانت بالدبابات والقنابل...

قراءة المزيد

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *