تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

عن الشريف والشرف وما إلى ذلك

نوفمبر 18, 2020 | 0 تعليقات

المصطلح والوصف في العراق مازال يكافح للبقاء على عهده منذ قرون رغم عواصف عصر العولمة وتغيرات المفاهيم التي اجتاحت العالم منذ بدأت الألفية الثالثة. الخطاب الصحفي والسياسي العالمي اليوم يتحدث عن الشرف والوطنية والشهيد والشهادة بطريقة مختلفة، فيما يصر العالم العربي والإسلامي على المكوث في تعريف الأزمنة الغابرة لهذه المعاني.

 أين هو الشرف الذي يتحدث عنه البعض؟ هل هو تحت الحزام مختلط بمفاهيم العفاف والعرض الموروثة من عصور فجر الأديان؟ أم أنّه يتعلق بالأمانة والصدق والترفع عن الانحطاط الفكري والسير مع الرعاع في تيارات وسائل التواصل الاجتماعي التي ظهر كثير منها كصدى لهواجس وأفكار للإرهاب الإسلامي العالمي منذ 2001؟

كما يبدو، لا يوجد اتفاق على هذا المفهوم الغائم الغامض. هل يملك اللص والقاتل والمومس والكذّاب شرفاً؟ وكيف نحدد أبعاد هذا الشرف، وبمن نقارنه؟ اللص والقاتل والمومس والكذّاب، في كل الثقافات أشخاص يقفون خارج وصف الشرف، لكن أي شرف؟ بعض دعاة الثقافة العربية يقوم شرفهم على الغزو والإغارة والسلب والنهب، فهل يستقيم هذا مع الشرف؟ الجنس في عصر العولمة صناعة، وكل الأمم المتحضرة ترفض وصفه بالدعارة، وتصف الفاعلين فيه بالعاملين في صناعة الجنس وتجارته، فهل يبقى وصف المومس قائماً؟ يبدو أنّ جان بول سارتر قد تنبأ بهذا الانقلاب في المفاهيم حين كتب مسرحيته الشهيرة البغي الفاضلة.

هل يوجد قاتل شريف؟

أقف كثيرا عند وصف “وطني”، وهو وصف معقّد مرتبك، عاطفي أكثر منه سياسي، ولا توجد كلمة في الدساتير والقوانين تصف إنساناً ما بأنه وطني. وحتى الحديث عن روح المواطنة يتسّم بكثير من الغموض، فروح المواطنة تحتّم على الإنسان ألا يدمّر الأملاك العامة مثلاً، وتحتم عليه أن يراعي النظافة العامة، لكن هل تحتم عليه أن يكون مخلصاً لوطنه، بمعنى ألا يرتشي أو يكون فاسداً؟

أحيانا يتطابق وصف “وطني” من حيث المفهوم مع وصف “شريف”، فكلاهما ضبابي، من هو الشريف؟

هل هو من لا يسرق أموال الآخرين، ولكنه يسرق أموال الدولة لأنها مُلك لا يحرسه أحد، أم هو من يحافظ على عرضه؟

هل هو من يمارس الجنس مع المومسات، لكنه لا يمارس العلاقات المثلية؟

هل هو من لا يشتم أعراض الناس، لكنه يسب على فيسبوك ليل نهار بلا هدف؟

بنفس المقياس أسأل: من هو الوطني؟

هل هو من ينتمي إلى الوطن بجنسيته، والسؤال هنا: ماذا عمن نزعت عنهم السياسة جنسياتهم؟

وماذا عمّن تجنسوا في بلدان المهجر؟

من هو الشريف ومن هو غير الشريف، وكيف نسقط على القتلة واللصوص والخونة وصف شريف؟
هل تتعلق الوطنية بجنسية الإنسان؟ ماذا عن ملايين تجنسوا بغير جنسيات بلادهم؟

وماذا عمن يحملون جنسية البلد ولكنهم يفعلون كل ما يخرّب البلد؟

وماذا عن الوطني الذي يقتل مواطنه الآخر لأنه يختلف معه في فهم الوطنية وفي فهم الله وفي فهم الدين وفي فهم الشرف غير المفهوم أصلاً؟

الوطني القتيل والوطني القاتل

كي لا نذهب بعيداً في التاريخ، لو كان الملك فيصل وطنياً فإن قاتله سيكون خائناً.

ولوكان عبد الكريم قاسم وطنياً، فإن قاتله سيكون خائناً غير شريف.

ولوكان عبد السلام عارف وطنياً فإن قاتله سيكون خائناً أشر.

وتكرّ الأسماء حتى نصل إلى اليوم،

هل كان حسني مبارك وطنياً؟ مرسي مرشد الإخوان المسلمين سيكون خائناً اذاً.

هل يمكن وصف اللص الفقير الجائع بأنه شريف؟

هل كان مرسي وطنياً؟ لماذا خرج 10 ملايين مصري يقولون له وللإخوان “لا” اذاً؟

هل قاد الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي انقلاباً عسكرياً على الإخوان المسلمين؟ هل كان بشار الأسد خائناً قاتلاً لأنه تصدى لكل أنواع القتلة الإسلاميين السلفيين؟ وما حال باقي المعارضة السورية، وكيف نصفها؟

أين هو الشرف في ساسة تونس، فيمن ذهب أم فيمن قدم، أم في الدواعش والاخوان المسلمين المتربصين للقبض على السلطة؟

من هو اللص والقاتل في ليبيا، ومن هو الوطني في اليمن؟ ومن هو الشريف والوطني في إسرائيل وفلسطين، ومن منهما قتيل ملعون، ومن نصفه بالشهيد؟

 أسئلة الشهداء

   وهو وصف اصطلاحي إشكالي كبير يتجنبه أغلب الاعلاميين والكتاب المحترفين، لكن بعض الكتّاب، وخاصة بضعة من كتاب الرأي، يصرّون على استخدامه. الشهيد بالعربية هو من نطق بالشهادة، وهو الشاهد في مورد آخر، فاين سنضع الأيزيدية الذين قتلوا دفاعاً عن أعراضهم وأرضهم أمام الدواعش المسلمين القادمين من أقصى بقاع الأرض؟ من سيكون القتيل الملعون ومن سيكون القاتل؟

قُتل عمر ابن الخطاب فهل هو شهيد وقاتله كافر في النار؟

ما هي مقاييس الوطنية؟

قُتل عثمان بن عفان في الفتنة الشهيرة، هل صارالصحابي جامع القرآن شهيداً؟ وهل سيكون قتلته وكلهم من الصحابة كفاراً في النار؟

قُتل علي ابن أبي طالب، فهو شهيد، وماذا عن قاتله المسلم، هل هو كافر مصيره النار؟

قُتل الحسين على يد خليفة المسلمين وجيوش المسلمين، من يسميه شهيداً وهو الذي خرج طلباً للسلطة في “أمة جده”؟ ومن يسمي قاتله كافراً مصيره النار؟
قُتل صدام حسين بقرار قضائي صدر باسم الشعب بعد محاكمة علنية دولية استمرت سنتين، محبوه يسمونه شهيداً، فهل يكون العراق كله قاتلاً كافراً في النار لأنه قتل صداماً؟

في كل مكان اليوم يقتل السنة الشيعة، ويقتل الشيعة السنة أحيانا، أيهم شهيد وأيهم كافر؟

قائمة أبطال الأمة

وهكذا يجري وصف البطل، ولا سيما بطل الأمة، فمن يقرأ التاريخ يجده مليئاً بالأبطال، لكن ما إن نتذكر تاريخ “الربيع العربي” وما يتبعه ، كيف هرب بن علي وعلي عبد الله صالح وحسني مبارك ومحمد مرسي وكيف قتل القذافي، وكيف، والقائمة تطول…ما إن نتذكر رويداً هذه الأيام القريبة حتى يسقط كل  الأبطال، فيكون من يستحق لقب بطل الأمة هو الشعب الذي يقتل على مذبح الأطماع السياسية، وبما أنه لا يمكن أن نقول “إن الشعب هو بطل الأمة” لأن الشعب ليس شخصية حقيقية حسب القانون، فالتعريف باطل والمصطلح متروك، لمَ لا نترك كلّ هذه اللغة غير المجدية؟ ملهم الملائكة

تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

مقالات ذات صلة

حكايات ساخرة بلا مناسبة

حكايات ساخرة بلا مناسبة

يصف الكاتب محمد حسين صبيح كبة برنامجاً روسياً افتراضياً عن لقاءات مع الناس ومع مهندسي نفط روس حول برج للنفط مائل الطباع بناه العراقيون، ويمضي ليصف أشياء أخرى غير ذات صلة بالنفط وابراجه. الحكاية بدأ الأمر بشكل لطيف وبدم خفيف. كان الأمر على شكل كاريكاتير في كتاب عن...

قراءة المزيد
كتابات ومفارقات

كتابات ومفارقات

يرى محمد حسين صبيح كبة أن فكرة التحول مما بين بشري وحيواني ونباتي وجمادي هي فكرة رهيبة راودت بعض العلماء مثل ذلك مثل محاولات العرب والمسلمين أمر محاولاتهم في الكيمياء وفي غير الكيمياء مثلا أمر إكسير الحياة ومثلا أمر تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب. الفكرة ممكنة...

قراءة المزيد
من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم

من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم

كتابات ساخرة من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم. يروي محمد حسين صبيح كبة طرفة تفيد أنّ خطيباً في أحد المساجد هبط من المنبر بعد خطبته وهو يرتجف من الخوف بعد أن أحاط المصلون به من كل جانب، ثم قالوا له بكل وضوح: قولك وخطبتك أن موقعة بدر كانت بالدبابات والقنابل...

قراءة المزيد

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *