تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

عمليات مجنون وهجوم على جبهة الفرقة الثامنة

أبريل 23, 2022 | 0 تعليقات

تمر الليالي وتكرّ مسبحة الأيام، والراجمات والمدفعية الإيرانية، تقصف القطعات العراقية بعمق كبير خلف جبهتنا، وبقيّ المنظر ناقوساً يذكرنا أنّ جبهتنا ستتفجر قريباً، وقبل أن ينتهي ربيع 1984، كان الهجوم الإيراني الكبير.

لم يكن التعرض الواسع على جبهة الفرقة الثامنة مفاجئاً، فمنذ أيام تخبرنا المراصد عن حركة مستمرة لقطعات جديدة تدخل في مواضع العدو أمام قاطعنا في سدة السويب ومخفر زيد ونهر كتيبان والكثبان الرملية، نحن هنا نحمي الجناح الجنوبي لكشك البصري، وتقع مواضع فرقتنا بالضبط في الضلع القائم على هور الحويزة وحقول نفط مجنون، ومن الغريب حقا أنّ جبهتنا لم تسخن حتى هذا الوقت. وانشغلت سرايا هندسة الفرقة والألوية خلال فترة تحشد العدو، بتعزيز حقول الألغام، والموانع السلكية، وبحماية الخندق الواقع خلف هذه الخطوط، وهو خط الصد المتقدم أمام حجاباتنا، وكلّ هذا حرم العدو من تحقيق عنصر المباغتة وهو عنصر حاسم في أيّ نصر.

وظلت تأكيدات الاستخبارات تتوافد عن استعدادات العدو لشن تعرض واسع على جبهة الفرقة الثامنة، بقصد احتلال الجناح الأرضي الجنوبي المتاخم لهور مجنون وامتدادات مناطق الأهوار في الحويزة. عززت الفرقة مواقع لوائنا بسرية دبابات توزعت على مواضع السرايا المتقدمة، وانفتح رعيلان منها مع فوج العمق في لوائنا، تحسباً لحدوث خرق مدرع يمكن أن تتصدى له. المعرفة المسبقة بنوايا العدو في جبهتنا، ساعدت إلى حد كبير في استقبال الهجوم بطريقة تليق بالمدافعين.

دون سابق إنذار، انهمرت رشقة راجمة صواريخ كراد (20 صاروخاً) على مقر لوائنا، وهو أمر لم يحدث منذ زمن طويل نسبياً. تقديرات الجميع أنّها مقدمة لبداية الهجوم. الصواريخ كلها سقطت داخل مقر اللواء وهو عبارة عن نحو كيلومتر مربع محاط بساتر ترابي معزز بالقوات، ولم يُصب أحدٌ بأذى. أحد الصواريخ أصاب ملجأ رئيس عرفاء الوحدة الذي كان مشغولاً مع جنود السرية بتعزيز مقر اللواء الجوال. دُمر ملجأه الفولاذي، لكنّه لم يصب بأذى. والملاحظ دائما أنّ القوة التدميرية للصواريخ أقل بكثير من القوة التدميرية للقنابل، وهذا بسبب صغر العبوة الناسفة المحمولة في رأس الصاروخ، لصالح العبوة الدافعة الكبيرة في بدنه.

تلك الليلة، وبعد رشقة الصواريخ خرجنا إلى مقر اللواء الجوال، ونصبنا محطات الاتصال اللاسلكي، وفحصنا سلامة الاتصال على الشبكات، وأجرينا إدامة على البدالة ذات العشرة خطوط المنصوبة هناك، وسلامة خطوطها مع مقر اللواء ومع الأفواج ومراصد الاستخبارات ومقر الفرقة. آمر اللواء، التحق بنا لفترة نحو ساعة، ليبدي ملاحظاته بشان استعدادات المقر الجوال للمعركة، وطلب فوراً من سرية الهندسة إرسال شفل لحفر 10 ملاجئ تستتر فيها سيارات الضباط ومحطات المخابرة المؤمّل عملهم في المقر الجوال حال اندلاع المعركة، وهو أمر مهم، لكنه فات الجميع.

بقينا في المقر الجوال حتى نحو الساعة 2 فجرا، ولم يشهد القاطع أيّ تحرك مريب للعدو، ولم تبدأ مدفعيته بعمليات القصف التمهيدي الواسع الذي يسبق عادة أي هجوم. وحسب ملاحظتي الشخصية، لم أشهد قيام الطيران الإيراني بتنفيذ غارات تسبق هجماتهم منذ سنوات طويلة، وهذا يثبت أنّ قوتهم الجوية بقيت حتى نهاية الحرب خارج المعركة بسبب ضعفها.

في الليلة التالية، خرجنا مع حلول الظلام إلى المقر الجوال، وكانت مراصد الاستخبارات قد أعلمتنا طيلة اليوم، بحركة غير عادية في حجابات العدو، ما يشير إلى احتمال وقوع الهجوم هذه الليلة. ونجحت سرية الهندسة في حفر 10 ملاجئ مخصصة لستر السيارات في ظهر مقر اللواء الجوال، وكان أحد جنود الرعيل السلكي يرافق الشفل العامل طيلة الوقت ليضمن سلامة الشبكة السلكية من تخريب محتمل غير مقصود. مقر اللواء الجوال هو تل بارتفاع نحو 10 أمتار، يتوّجه ملجأ هندسة فولاذي العلامة 3، ومدخله ملجأين هندسيين العلامة 2، يشكلان معه صليباً، حيث تستقر في أحد الملجأين بدالة المقر الجوال، وفي الآخر محطات الاتصال اللاسلكي، إضافة الى أن ما بينهما هو معبر الدخول الى المقر الرئيسي في الملجأ الفولاذي الأكبر. ثم طُمر المكان بأكوام من التراب، وسوّيت حافاته بحيث لا تظهر الملاجئ شاخصة.

ليلتنا الثانية في المقر الجوال، كانت مجرد انتظار، رغم برقيات التأكيد من العمليات العامة ومن الاستخبارات، بأنّ العدو سيشرع الليلة بتعرض واسع. وفي الساعة الرابعة صباحاً، عاد المقر الجوال إلى اللواء، دون أن يقع الهجوم المرتقب. هذه الليالي من الانتظار والتوتر أتعبت القطعات المدافعة، وقللت بعض الشيء من حماس المقاتلين لخوض معركة دفاعية واسعة.

في الليلة الثالثة بُلّغنا أن لا نخرج إلى المقر الجوال قبل الساعة العاشرة ليلاً، وهكذا استطعنا أن نريح أعصابنا ونتناول طعام العشاء بهدوء ولا استعجال، لكن، ما إن حلّت الساعة الثامنة ليلاً، حتى أبلغنا مقر الفرقة بأنّ الهجوم سيقوم بعد دقائق، وعلينا التصدي له، وخرجنا إلى المقر الجوال، آمر اللواء، وضابط ركن الحركات، وآمر كتيبة مدفعية 48 وهي في الاسناد المباشر للواء، وأمين سر فرقة 23 الأطراف الحزبية الملازم أول ن.، وأنا للأشراف على شؤون المخابرة، وما أن استقر بنا المقام فيه، حتى بدأ العدو بعميات القصف التمهيدي على قطعاتنا، ما أشّر انطلاق الهجوم. القصف التمهيدي لم يكن بالكثافة التي شهدتها عادة في هجمات سابقة، لكنه ركز بشدة بالهاونات على حجاباتنا، ثم أبلغنا الفوج الاول، أنّ دبابة أو أكثر تطلق رميات مباشرة (بقذائف مهداد لمقاتلة الدروع وتدمير الجدران والمباني الكونكريتية) من الساتر القريب على حجاباتنا، وطلبوا مشاغلة الفوهات التي ترمي.

آمر اللواء المقدم الركن خالد بكر خضر، بدا متماسكاً، وقال : إنّ من المبكّر سحب الحجابات الآن، ولكني لا اعتقد أن دبابات ترمي باتجاههم، بل هي مدافع 106 مقاتلة الدروع محمولة على عجلات، وهي صغيرة الحجم، قليلة الضوضاء، وتصل بسهولة إلى الحافة الأمامية، وتستتر في مواضع عادية، ولا تلزمها منصات رمي. وخاطب ضابط ركن الحركات طالباً منه توجيه نيران سرايا إسناد الفوجين على موضع الفوهات التي ترمي بقنابل مهداد باتجاه حجاباتنا.

خلال عشر دقائق، رمت سرايا الإسناد رشقات مكثفة بهاونات من عيار 82 ملم ساتر العدو المتقدم المقابل لحجاباتنا والذي يمثل حجاباتهم، كما رمت بكثافة الساتر الذي يليه، والذي تستتر فيه عادة قياداتهم الميدانية.

مع ضجيج القصف، خرجت أدخن سيكاره واتفرج على منظر الجبهة في الليل، فهالني أنّ قاطع الفرقة 30 (وتُدعى قوات الحسين) شمال مواقع فرقتنا قد اشتعل بقصف مركز من قطعاتنا على مواقع العدو في الهور. وكان منظر القنابل الثقيلة التي تطلقها كتائب المدفعية بعيدة المدى المعروفة بالنمساوي، تطير عبر الليل في عناقيد مذنبة قاصدة مواقع العدو مثيراً حقا ويبعث على الحماس. هذا القاطع كان قد نجح العدو في اسقاطه في ليلة 21 / 22 شباط سنة 1984 حيث شنت قواته هجوما رئيسياً بثلاث حملات برمائية مستخدما الزوارق المطاطية وزوارق فايبر كلاس بأحجام مختلفة بتصنيع محلي بدائي لنقل القدمات المعقبة وأسلحة الإسناد، متوخياً أهدافاً في مخافر أبو الصخير والترابة وأبو ذِكِرْ ومنطقة البيضة التي تقع في منطقة الكسارة داخل هور الحويزة شرق مدينة قلعة صالح وجزر مجنون الشمالي والجنوبي ومنطقة غزيل مقابل مدينة القرنة ونجحت هذه العملية واستولى العدو على حقلي مجنون الشمالي والجنوبي .ويبدو أنّ قواتنا تنفذ الآن تعرضاً واسعاً عليه، أو أنّ العدو ينفذ تعرضاً واسعاً، ومدفعيتنا تعمل على احباطه.

انهيت سيجارتي ودخلت الى المقر الجوال، فأخبرت آمر اللواء، أن خلفنا إلى الشمال تجري معركة كبرى، سارع بالخروج من الملجأ وتأمل المنظر لدقائق، وعاد يخبرنا أنها تبدو معركة، لكن الغريب هو: لمَاذا لم تُبلغنا الفرقة بشيء؟ في هذه الأثناء تعطلت خطوط أفواجنا السلكية، فاتصلت بالمقر الرئيسي وأوعزت الى الملازم عبد وهو ضابط المخابرة الموجود هناك بإخراج مفرزتي تصليح، وكنت أعرف مسبقا أنّها لن تصلح الخطوط بسهولة، فالعمل في ظل الهجوم غير مجدٍ ولن تلبث الخطوط أن تنقطع، فيصبح تعريض حياة الجنود إلى الخطر مغامرة حمقاء، لكن لابد من إظهار الاهتمام والجد في العمل، هكذا هي قواعد لعبة المخابرة. القادة والآمرون الجيدون يدركون هذا الأمر، فينتقلون دون تذمر للاعتماد على الشبكات اللاسلكية لتعبير واستلام الأوامر، مع خطورة الشبكات اللاسلكية التي تكشف بسرعة مقرات القيادة وتعرضها لنيران العدو. أما القادة الخائفون، فيتعكزون على تعطل الخطوط السلكية، ويضغطون على وحدات المخابرة في تشكيلاتهم لتأمين فائقية مطلقة للخطوط السلكية إبان عمليات التعرض الكبرى، وهو عملياً أمر مستحيل. وهكذا تجاهل المقدم الركن خالد بكر خضر آمر لوائنا، انقطاع الاسلاك، وقال بهدوء: “حاولوا أن تصلحوها بسرعة ملازم أول ملهم!” ثم تحول إلى الاعتماد على الشبكة اللاسلكية في تمرير واستلام الأوامر. هذا الأمر ضاعف الجهد على عاتقي، حيث كنت مشغولاً بتمرير الأوامر على الأجهزة بنفسي، فيما توجّب عليّ شخصياً تسجيل كل مكالمات المعركة، بناء على الأوامر العليا، وهذا جعل مهمتي أصعب. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن ضابط المخابرة القائم بوظيفة آمر الرعيل اللاسلكي الملازم عبد كان ضابطاً حدثاً معدوم الخبرة في الجبهة، وقد بقي في مقر اللواء يتابع شؤون المخابرة من هناك، فيما اصطحبني آمر اللواء معه لإدارة المعركة من المقر المتقدم.

بعد نحو ساعة من بدء المعركة، أبلغنا آمر الفوج الأول، أن مفارز معادية تسللت إلى الخندق الساتر الذي يحمي حجاباتنا، وهي محاصرة في الخندق، ولا تستطيع العودة ولا التقدم باتجاهنا. فأوعز آمر اللواء إلى رعائل الدبابات المنفتحة مع سرايا الفوج برميهم برشقات من قنابل الانفلاق الجوي الخاصة بمقاتلة قوات المشاة المهاجمة، كما أوعز إلى الحجابات، باستخدام صواريخ مقاتلة الأشخاص من نوع آر بي جي 7 لمعالجتهم. بعد نحو نصف ساعة، أبلغ مرصد الاستخبارات المتقدم، أنّ عدداً كبيراً من القوات المعادية التي تسربت إلى الخندق ، قد سقط بين قتل وجريح، وتحاول القوات المهاجمة أن تسحبهم بلا جدوى بسبب كثافة السدود النارية العراقية.

في نفس الوقت، أبلغ آمر الفوج الثاني، عن رميات مباشرة بمدفع دبابة، تستهدف حجاباته، لكنه أكد انّ أيّ قوات مشاة معادية لم تتقدم باتجاه حجابات الفوج، على الأقل حتى تلك الساعة. فأوعز آمر اللواء، بمشاغلة مصادر النيران بقانبر الهاون 82 وبرميات المدفع 106 المباشرة.

واستمر التراشق بالمدفعية، فيما كانت رشاشات الفوجين الثقيلة المتمركزة في السرايا المتقدمة، تفتح نيرانها بكثافة على القطعات المهاجمة.

دخل على شبكتنا مع أفواجنا تأثيرٌ معادٍ، وبدأت أجهزة معادية تبث على ترددنا تشويشاً ما طمس الصوت بشكل واضح. طلبت من المحطات بسرعة عن طريق شبكة المدفعية الانتقال إلى التردد الاحتياطي الأول، (وهو انتقال يجري في العادة بشكل آلي ودون أمر تفادياً للتشويش والتنصت المعادي، لكن اصراري على تعبير الأمر على شبكة المدفعية جاء لتأكيد التغيير) للخروج من التردد الذي دخل العدو عليه. وبما يشبه المعجزة، جاء انتقال المحطات إلى الترددات الاحتياطية سلساً، ودون تأخير، حتى أن بعض آمري الأفواج، لم يدركوا الانتقال الذي جرى.

بعد نحو ساعة من توقف الاتصال، سألني آمر اللواء، إن كان التردد الجديد يعمل بانسياب، فأسمعته الاتصال على التردد الجديد مع كل أفواجنا، وكلم بنفسه أمري الوحدات، وأخذ منهم آخر تطورات الموقف. فقد كشف آمر الفوج الأول، أن مفارز راجلة تحمل سلالم خشبية، قد تسربت من حجابات العدو أمام قاطع فوجه مرة أخرى، وقد نجحت في تخطي الخط الأول من المانع السلكي المنفاخي الثلاثي بالعبور عليه بالسلالم الخشبية، ثم نزلت بالسلالم إلى الخندق الساتر العميق الذي يواجه قطعاتنا، لكنّ حجم نيراننا يمنعها من التقدم، وسوف تستتر بلا شك بالحافة الغربية من الخندق باتجاهنا، متخذة منها ساتراً يقيها نيراننا.

مع اقتراب الفجر، ابلغتنا محطة رازيت الفرقة (محطة معدات فنية خاصة بمراقبة نشاط المخابرة والنشاط الالكتروني المعادي) بأنّ محطة معادية تقع في التربيع 2100 شرقاً و5200 شمالاً، قد دخلت تتنصت على شبكتنا، ولابد لنا من تغيير التردد فوراً، علاوة على ضرورة تنفيذ رميات على المحطة المعادية. أبلغت آمر اللواء، فأوعز إلى آمر كتيبة الإسناد المباشر “كتيبة مدفعية الميدان 48” بتنفيذ ضربة بمدفع منفرد، على المحطة، تتكرر مرة كل 5 دقائق لمدة ساعة كاملة لمنعها من العمل.

بعد دقائق، انهمرت على مقرنا الجوال رشقتا صواريخ من راجمات صينية صغيرة معادية تحمل عادة في شاحنة صغيرة، كل رشقة 20 صاروخاً، وكان القصف نقطوياً، أريد به تدمير المقر الجوال، ما يعني أنّ نشاطنا اللاسلكي المكثف قد نبههم إلى مقرنا باعتباره مقر القيادة الميداني الأعلى، فاعتمدوا تدميره أو مشاغلته. وصفُ القصف بهذا الشكل يظهره كأمر بسيط هين، لكن في الحقيقة أنّ كل من كان في ذلك المكان، شعر برعب أن الموت يقف قريباً جداً منه، وقد تكون هذه لحظات حياته الأخيرة. علا الشحوب وجوه الجميع، وخرج أغلبهم بعد سقوط الصاروخ الأخير، ليتبول في سفح التلة التي نقف فوقها.

بعد نحو 10 دقائق، انهمرت علينا رشقة صواريخ غراد هذه المرة، بمعدل 20 صاروخ، سقطت جميعها حولنا مقتربة إلى نحو 4 أمتار أحياناً، لكنّ وجودنا في أعلى التل أنقذنا إلى حد كبير من تأثيرها.

اشتد الهلع والترقب في نفوس الجميع، وما لبث آمر الفوج الثاني، أن أتصل مبلّغاً عن جنود معادين يتقدمون من الخندق الساتر أمام الفوج الأول باتجاه حجابات الفوج الثاني وهم يحملون سلالم خشبية. في هذه اللحظة، نادى آمر اللواء سائقه ومرافقه وعامل المحطة السلكية الدائمة المرافقة له، وخرج مبلغاً أنه ذاهب إلى الفوج الأول وبعده إلى الفوج الثاني!

انتاب الرعب الجميع، فخروج أي انسان إلى الفوج المشتبك بالمعركة في هذه اللحظات فيه مخاطرة كبرى، لا يفكر سوى قليلين في خوضها، لكنّ آمر اللواء كان يشعر أنها اللحظة الحاسمة التي توجب وجوده إلى جانب آمري الفوجين، لاحتمال حدوث خرق معادٍ، فخرج بلا تردد. القائد يصنع معنويات، والمأمور حين يرى قائده يقف إلى جانبه ويشاركه مواجهة العدو صدراً بصدر، تشتد عزيمته، وهذه هي خلاصة دور الضابط في المعركة. وما لبث الرفيق الحزبي أمين سر فرقة اللواء أن نادى سائقه ومرافقه، مبلغاً أنّه خارج بمعية آمر اللواء (والحقيقة أنّ موقف آمر اللواء أجبره على ذلك، فوظيفته تحتم عليه الحضور حيث يكون آمر التشكيل موجوداً بلا توانٍ، وهكذا بات عليه الذهاب إلى الجحيم)، فغادر على عجل وشحوب الموتى يعلو وجهه.

ساد الجميع ترقب مشوب بخوف شديد، فالموقف يتسارع، والتهديد يشتد، واستهداف مقر اللواء الجوال بهذه الشدة، يدل على دقة معلومات العدو عن شكل انفتاح قواتنا على الأرض في هذه اللحظة، وهو أمر عززته معلومات الرازيت، وكل هذا خطير جداً.

*فصل من كتاب حين مشينا للحرب

تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

مقالات ذات صلة

حكايات ساخرة بلا مناسبة

حكايات ساخرة بلا مناسبة

يصف الكاتب محمد حسين صبيح كبة برنامجاً روسياً افتراضياً عن لقاءات مع الناس ومع مهندسي نفط روس حول برج للنفط مائل الطباع بناه العراقيون، ويمضي ليصف أشياء أخرى غير ذات صلة بالنفط وابراجه. الحكاية بدأ الأمر بشكل لطيف وبدم خفيف. كان الأمر على شكل كاريكاتير في كتاب عن...

قراءة المزيد
كتابات ومفارقات

كتابات ومفارقات

يرى محمد حسين صبيح كبة أن فكرة التحول مما بين بشري وحيواني ونباتي وجمادي هي فكرة رهيبة راودت بعض العلماء مثل ذلك مثل محاولات العرب والمسلمين أمر محاولاتهم في الكيمياء وفي غير الكيمياء مثلا أمر إكسير الحياة ومثلا أمر تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب. الفكرة ممكنة...

قراءة المزيد
من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم

من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم

كتابات ساخرة من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم. يروي محمد حسين صبيح كبة طرفة تفيد أنّ خطيباً في أحد المساجد هبط من المنبر بعد خطبته وهو يرتجف من الخوف بعد أن أحاط المصلون به من كل جانب، ثم قالوا له بكل وضوح: قولك وخطبتك أن موقعة بدر كانت بالدبابات والقنابل...

قراءة المزيد

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *