تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

سرايا المغاوير – وحدات تائهة!

مارس 4, 2022 | 0 تعليقات

سرية المغاوير كانت دائما ضحية الواجبات الصعبة، فهي سرية إغارة وهجمات، لكنها وبسبب قربها من مقر اللواء تبقى مجمّدة غالباً كسرية حماية لمقر اللواء. يتعلق هذا بالتنظيم العسكري لتشكيلات الجيش في المناطق الجبلية قبل الحرب، لكن عواصف القادسية غيرت كل شيء.

في شرق البصرة، بات مقر سرية المغاوير المتصلة بالساتر المربع الذي يضم مقر لوائنا مكاني المفضّل للقاء الأماسي مع ضباطهم وبرفقة تلفزيونهم الصغير تحت سماء الصيف الصحراوي الندي. وتطورت صداقاتنا، فانضم إلينا ضباط سرية هندسة اللواء التي كانت قد تشكلت حديثاً.

وتمتد علاقتي بسرية المغاوير إلى تاريخ التحاقي المبكر بمقر اللواء، وكان سكننا غالباً ملاصقاً لسكنهم أثناء استقرارهم مع مقر اللواء. ولكن مع بداية الحرب، تنقّلت سرية المغاوير كثيراً لتفارق أحياناً مقر اللواء لأسابيع طويلة، بسبب نقص القوات في قواطع العمليات، وأثّر هذا طبعاً على أدائها. وفي بداية الحرب عام 1980، جرح ضباط السرية الثلاثة، بل فقد أحدهم عينه اليسرى التي ذهبت بها شظية قنبرة على تلة المهد (في حوض سربل زهاب) وهي أرض القتل الأكثر سوءاً في قاطع عمليات لوائنا آنذاك.

لكن استقرار الفرقة الثامنة وتشكيلاتها (لواء 22، لواء 23 ولواء 418 الذي حل محل اللواء 3 الذي أُلغي بعد هزيمته في معارك سومار) في قاطع عمليات شرق البصرة الصحراوي جعل منها فرقة مشاة سهول، وهي أصلاً فرقة مشاة جبلية متخصصة في العمل بمناطق المرتفعات. تطلّب هذا الوضع تغيير التشكيلات، ورسمياً كان يجب أن يفك ارتباط سرية المغاوير بمقر اللواء لأنها من ملاك التشكيلات الجبلية، وفي تشكيلات مشاة السهول لا يوجد ملاك لسرية المغاوير.

قبل قادسية صدام كانت سرايا المغاوير تعد قوات النخبة في الألوية، وتحظى بعناية خاصة باختيار عناصرها، وتدريبهم وتجهيزهم. لكن التغيرات التي فرضتها الحرب أخرجت قوات المغاوير عموماً من وصف تشكيلات النخبة، لاسيما مع توسع وتعاظم قوات الحرس الجمهوري، وتحولها إلى قوات نخبة بمعنى الكلمة.

في شرق البصرة، كان مقر اللواء قريباً جداً من أفواجه الثلاثة المنفتحة على جبهة بعرض 4 كيلومترا فحسب. بل إن مقر اللواء كان لا يبعد سوى 900 متر عن مقر فوج العمق، (مع استعادة القوات الإيرانية سلطتها على عبادان والمحمرة والحميدية وسد الدز والشوش وديزفول وتلول الله أكبر في جنوب إيران، توصلت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية إلى أن اتخاذ مواضع الدفاع التقليدي التي شاعت في الحرب العالمية الأولى وهي فوجين في الجبهة، يسندهما فوج ينفتح خلفهما في العمق، هي خير وسيلة لضمان عدم حصول خرق سريع في الجبهة، فأفواج العمق تعمل غالباً كقوة تعويق تصد وتمتص زخم الهجوم المعادي ريثما تصل قوات تعزز الموضع الدفاعي أو تعيد مسك الأرض). وباتت كل مقرات الألوية بهذا الشكل قريبة من مقرات أفواج العمق، وهكذا أجبرت تشكيلات الفرقة الثامنة، على تسخير سرايا المغاوير الموجودة بأمرتها، وسرايا الهندسة التي شكلت حديثاً فيها إضافة إلى سرايا المقر والمخابرة فيها كوحدات حماية قد تشاغل العدو وتدافع عن مقرات الألوية في حال تحقيق العدو خروقاً في المواضع الدفاعية العراقية.

هذا الوضع، جعل سرية مغاوير اللواء أشبه بسرية مشاة عادية، ولكنه سرية مقاتلة تفتقر لأسلحة الاسناد التي تتمتع بها سرايا المشاة الأصلية. وقلل هذا إلى حد كبير من تحركات سرية مغاوير اللواء في قواطع العمليات، لأنها باتت جزءاً من الموضع الدفاعي الثابت للواء، وكل ذلك أشاع نوعاً من الاستقرار لدى ضباط ومنتسبي السرية، بل أنّ منتسبي السرية ضباطاً ومراتب وجنوداً فقدوا لياقتهم البدنية التي كانوا يتمتعون بها بسبب انعدام التدريب، وبات حصولهم على مخصصات صنف المغاوير(وهي مخصصات مالية تصرف لقوات النخبة ولا تحصل عليها قوات المشاة) بلا معنى.

في أوساط الضباط، باتت سرايا المغاوير توصف بأنها الوحدات التائهة، لاسيما أنها لم تعد ترتبط بآمريات المغاوير في مقرات الفرق، وهو تشكيل قيادي زال مع تطاول الحرب، وباتت ملاكات آمريات المغاوير خالية من المنتسبين، وشكلية حتى أنها حلت تماما في منتصف عام 1983، وباتت سرايا مغاوير الألوية جزءاً من وحدات تلك الألوية، فيما احتفظت بعض الفرق الجبلية بسرايا مغاوير مستقلة تناور بها كقوة ضاربة عند الحاجة. المضحك المبكي في قوات النخبة المنقرضة هذه، أن أغلب منتسبيها باتوا من المصابين في المعارك، ولا يملكون قدرة بدنية تؤهلهم ليكونوا قوة الضربة.

مع استقرار سرايا مغاوير الفرق الجبلية بمعية مقرات تشكيلاتها، باتت تعتبر محطة استراحة لضباط المشاة الجدد أو المصابين الذين ينسبون اليها، وصار الضباط الأحداث، ويا للعجب، يتوسطون على المستويات الصغرى لأن ينسّبوا إليها باعتبارها مستقرة لحماية مقرات الألوية وليست في خطوط المواجهة القريبة من العدو، وخارج مرمى أسلحة العدو الخفيفة، وهذا ترف يتحسر عليه ضباط المشاة العاملين في الوحدات المنفتحة على الجبهات.

هذا الوضع الجديد، جعل ضباط مقر لوائنا يقتربون من سرية المغاوير(معاون آمر السرية نقيب مخابرة، أمر الرعيل اللاسلكي ملازم أول مخابرة، آمر الرعيل السلكي ملازم مخابرة، آمر فصيل الدفاع والواجبات ملازم أول مشاة، الضابط الإداري نقيب اداري، يضاف إليهم بالنشر فقط آمر الفصيل الكيماوي وهو ملازم أول كيماوي)، هؤلاء الضباط طوروا صداقاتهم مع ضباط مغاوير اللواء، ونشأت بيننا روابط متينة، وبات كثير منهم يترددون على ملاجئنا، لكنهم بقوا لا يشاركونا الطعام في مطعم الضباط، لأنّ ملاكهم ينص على انفصال معاشاتهم وأرزاقهم وعتادهم وأسلحتهم عن مهام وإداريات اللواء. هذا الوضع تغيّر منذ بداية عام 1984، إذ بات ضباط سرية مغاوير اللواء معرضون لتنقلات سريعة إلى تشكيلات الفيلق الثالث الذي كنا نرتبط به، لتعويض التشكيلات التي خسرت ضباطها بسبب هجمات العدو.

وبدأت القوات الإيرانية منذ مطلع هذا العام بشن هجمات على قاطع مجنون شرق العمارة وفيه حقول نفطية كبرى ومناطق الأهوار المرتبطة بها، وأدت الهجمات إلى تخلخل المواضع الدفاعية العراقية، وفقدان أجزاء كبرى من الأراضي العراقية. والحقيقة أن كل هجمات القوات الإيرانية منذ  منتصف عام 1982 باتت تحقق خروقاً، ونتج عنها احتلال مناطق شاسعة من الأراضي العراقية شمال العراق وجنوبه، لكن أدبيات القيادة السياسية كانت تزوق وتجمّل الأوضاع ولا تتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى تلك الخسائر المرعبة.

المناطق الوحيدة التي عجزت القوات الإيرانية نسبياً عن تحقيق خروق فيها كانت مناطق القاطع الأوسط، وهذا أمر غريب. هذا القاطع وضمنه قاطع مندلي كان لا يبعد عن العاصمة العراقية بغداد سوى 90 كيلومترا في بعض المناطق، ومع ذلك فإنً مخططي الاستراتيجية الإيرانية لم يضعوه في حسبانهم، وكنا على مستويات الضباط القادة والأعوان* نتساءل وفي قلوبنا رعب حقيقي، لماذا لا يهجم الإيرانيون بحشودهم المليونية على قواتنا في قاطع العمليات الأوسط؟

المؤلم بالنسب لي، أن أكثر من باتوا أصدقائي من ضباط سرية المغاوير، ما لبثوا أن نقلوا كتعويضات، وقد قتل أو أصيب أغلبهم حال نقله.

المشهد الأكثر حزناً، كان لقائي بالملازم الأول م. الشمري في مستشفى الرشيد العسكري وهو يتسند إلى كتف أبيه قصير القامة. الضابط الأسمر العملاق مفتول العضلات الأريحي المرح القادم من مضايف قبيلة شمر على حدود جزيرة الموصل، لم يتعرف عليّ حين حييته، وتكلم نيابة عنه، أبوه وهو يعتذر مبدياً ألمه بقوله إن ابنه قد فقد الذاكرة بعد أن اخترقت رأسه شظية صغيرة، خرجت من قفا رأسه لكنها لم تقتله، بل تركته منحل الأعصاب فاقد الذاكرة يتصرف كطفل رضيع يرتدي بدلة ملازم أول!

  • يصنّف الضباط حسب رتبهم إلى التالي:

الضابط وابتداء من رتبة ملازم إلى رتبة رائد يوصف بأنه من الضباط الأعوان.

الضابط من رتبة مقدم إلى رتبة عميد، يوصف بأنه من الضباط القادة.
الضابط من رتبة لواء إلى رتبة مهيب (وهي نفسها رتبة مشير الملغاة) يوصف بأنه من الضباط الأمراء، ويتمتع بحق رفع علم على سيارته ويعزف له نشيد الأمراء لدى زيارته التشكيلات والوحدات. وأهملت العسكرية العراقية عموماً هذه التقاليد.

ملهم الملائكة/ فصل من كتاب حين مشينا للحرب

تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

مقالات ذات صلة

حادثتان غريبتان

حادثتان غريبتان

بقلم الكاتب والباحث محمد حسين صبيح كبة تمهيد في هذه المقالة / البحث سأقوم بذكر حادثتين غريبتين مرتا بي ثم اقوم ببعض التحليلات. المتن ألف- الحادثة الأولى: كنت في عمان الأردن أتابع التلفاز على إحدى القنوات الفضائية التي كانت مسموحة في الأردن وغير مسموح بها في العراق إلى...

قراءة المزيد
السلامة من الحرائق في المنزل – الحلقة الثانية

السلامة من الحرائق في المنزل – الحلقة الثانية

أ. صباح علو / خبير السلامة اًولاً: تدابير السلامة التي يجب أن تتوفر في منزلك هي: طفاية حريق متعددة الأغراض (بودرة - ثاني أكسيد الكربون) ولابد من ملاحظة الآتي: -   وضعها في مكان بارز يعرفه جميع أفراد الأسرة وبشكل رأسي. -   وضعها في مكان لا يمكن الأطفال من العبث بها. -...

قراءة المزيد
السلامة المنزلية (الجزء 1)

السلامة المنزلية (الجزء 1)

سلسلة مقالات بقلم صباح رحومي السلامة هي العلم الذي يهتم بالحفاظ على سلامة الإنسان، وذلك بتوفير بيئات عمل وسكن آمنة خالية من مسببات الحوادث أو الإصابات أو الأمراض من خلال سن قوانين وإجراءات تحث على الحفاظ على الإنسان من خطر الإصابة والحفاظ على الممتلكات من خطر التلف...

قراءة المزيد

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *