حين مشينا للحرب
هذا الكتاب
سفر دون رتوش لما عاشه رجال العراق خلال سنوات الحرب الثمان مع إيران في ثمانينات القرن العشرين. هذه إفادات صغار الضباط الذين كانوا في الخنادق الأمامية، ومرات في غيرها، وما قاله الجنرالات لا مكان له هنا، إنها كلمات مغموسة برائحة العرق والدم والخوف وترقب النصر وأوجاع الهزيمة هي الباقية في ذاكرتي.
توقفت كثيراً عند أسماء الضباط الذين عاشوا معي أحداث القادسية الجسام الدامية، وساءلت نفسي مراراً، هل أعلنها أسماء صريحة، أم أرمّزها بأسماء أخرى؟ وانتهيت إلى قرار إعلانها أسماء صريحة لمن عاشوا سنوات الجمر القاسيات.
الرجال في الجبهات والنساء وحيدات، وهذا نوع آخر من الحزن، فالأبناء كبروا بلا آباء، وأحياناً بحضور باهت من الآباء، وفي أحيان آخر بانتظار المفقودين من الآباء والأسرى منهم.
من يحزن لما يشهده العراق من خراب، عليه أن يعود إلى تلكم السنوات العجاف، حيث انطوت أعمار الأبناء والآباء في صفحات “قادسية صدام”، سيل الدم النازف بطول ثماني سنوات، خلّف هذا الكم الهائل من الخراب وهدر الطاقات والأموال وخيرات البلد الذي يجني خيباته اليوم العراقيون وقد انهوا العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.
إنها حرب خاضها العراق وإيران بقياسات الحرب العالمية الأولى، وأحرقا فيها مليارات الدولارات عبثاً في خنادق لم تزد شبراً ولم تنقص إصبعاً. نحن الذين عشنا الجحيم، لم نكن نرى كل الصورة لأننا في داخلها، لكنني وقد ابتعدت عن الخنادق أكثر من 3 عقود، أرى الصورة واضحة رغم ذبول ألوانها.
وإذا كان العراقيون قد سيقوا مجبرين إلى “قادسية صدام” دون أن يؤخذ رأيهم، فإنّ اعداءهم في الجانب الآخر سيقوا هم أيضا مجبرين إلى ما بات يعرف بحرب “الدفاع المقدس”. انها حرب الزعماء وليست حرب الشعوب، ولكنّ أغلب حروب التاريخ اشتعلت بإرادات الزعماء وليس بقرارات الشعوب، فهل في هذا عزاء لنا؟
ملهم
0 تعليق