تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

بريد حب عراقي في عصر “الربط السككي”

نوفمبر 21, 2020 | 1 تعليق

مع غرق بغداد ومدن عراقية مهملة أخرى في أول مزنة خريف هذا العام، وصلتني في بريد الكتروني رسالة عشق من كاتب معروف يتحبب متوارياً خلف أسم م.ع. الشمري، أنشر هنا مساحة من الرسالة لا تكشف عن خصوصيات شخوصها، فالكاتب صديقي وحبيبته كذلك.

     كل الأشياء الجميلة في العالم هي” ممنوعة أو محرمة أو تسبب السمنة أو تفضي للادمان” وتبدأ القائمة بالقبلة ولن تنتهي بالشوكولاته. وكنتِ تحبين القُبل والعطر والشوكولاته، لذا أرسلت لك بريدا رقميا مكتوباً على ورق الشوكولاته وغارقاً افتراضاً في رضاب قبلاتنا. وانتظرت ردكِ فتأخر آلاف الدقائق وجاء محملاً بالوعيد وبرائحة قطيعة فاحت من مفتاح عباراتك حين قلتِ:

بيننا ربع قرنٍ من فراق، وبيننا وظيفة سوف أخرج منها قريباً بدرجة مدير عام، وبيننا حجاب أكرهه وألبسه لأضمن الوصول إلى عملي بسلام في عصر المؤمنين الخاشعين، وبيننا جسر الأئمة، حيث أقف أمام مسجد النعمان بالأعظمية وشمع المولد النبوي في يدي، فيما يقف خواصك وأهلك في الجانب الآخر من دجلة أمام الحضرة الكاظمية وهم يؤدون مراسم زيارة الضريحين. بيننا فوراق التشيع والتسنن وقد أحياها زلزال أصاب البلد في ربيع عام 2003، فنجوتَ منه وأنتَ في غربتك وغرقتُ فيه وأنا في بغداد مركز الزلزال.

بيننا حجاب أكرهه وألبسه لأضمن الوصول إلى عملي بسلام في عصر المؤمنين الخاشعين

لم أفهم بعد ذلك كل ما كتبتهِ لأنّ اتهامكِ لي بالتشيع أذهلني.

ذهبت الى أمي أسالها إن كنتُ حقاً شيعياً ويزور أهلي وخاصتي الكاظمين للتبرك؟ ضحكت وقالت: أنا كردية، ولا يهمني حقاً إن كنت شيعياً، فلي أهلي في كردستان الجميلة وهم يوقدون في أقصى كورك نيران نوروز كل عام إيذاناً بربيع جديد يحلّ في أرضهم التي عادت لهم بعد قرون متصلة من الحرمان والاغتصاب. ولا اود أن أورثك صفة التشيع، فأن تكون كردياً بالنسبة لي خير ألف مرة من أن تكون شيعياً أو سنياً عربياً.

ذهبت الى أبي لأستفيد من خبرة قراءات معمقة راكمها عبر عقود، وسألته: هل نحن من شيعة علي حقا، وماذا يعني ذلك؟

استغرب لسؤالي واتسعت حدقتاه غضباً، ورفع عن أنفه نظارة القراءة نافثاً دخان سيكارته الغليظ وهو يقول: ليتك تكف عن هذا ونحن في مطلع القرن الحادي والعشرين، ولو سألتني عن نفسي فأنا عابر للأديان عابر للطوائف عابر للأقوام عابر للشعوب، أممي أنا مع الحياة ومع الإنسان مادام لا يفارق آدميته.

لكن ماقاله أبي وأمي إنما هو رجع في مخيلتي انبعث من نواحي قبريهما المتلاصقين بأرض بور جرداء وسط العراق، فأضحكني أنّ الأموات في صمتهم الكئيب يعلمون الأحياء بديهيات الحياة.

بعد التغيير الزلزالي في 2003 شاعت الطقوس الدينية في حياة العراقيين

وعدت لك ببريد الانترنيت الذي يحمل معه حتى الموسيقى، فبحت لك بشوقي لأن أمرّ بيدي على جيدك وشعرك القصير متلمساً شفتيك وهما تئنان في لهيب قبلاتنا.

أجبتني في نفس الليلة: 

إنّ تاريخ قبلاتنا قد توارى خلف سنوات القتل والحرمان، وملاذاتنا في الوزيرية والكرادة والسندباد وكورنيش الاعظمية وكورنيش الكاظمية وساحة الاحتفالات الكبرى وجزيرة التاجيات والزوراء الساحرة حيث تركنا على كل شجرة آثارنا قد أضحت بعضاً من وهم.

أما ظلام سينما المنصور وقاعة سميراميس حيث طالما تحدى عناقنا المحموم عناصر أمن صدام والبعث والحركة الطلفاحية (شرطة الآداب) فقد أمسى دامساً مخيفاً يؤوي القتلة والذباحين وصنّاع المتفجرات. لذا أقول لك يا بعضي المنسي “نحن لا نريد الحب، فهو جزء من الممنوعات والمحرمات، وقد يكون باعثاً على السمنة وهو بالتأكيد مسبب للأدمان”.

” حييتَ تُنكرني وتعتذر”. انتهت رسالة م.ع. الشمري، وحيث أن لا بريد ولا هواتف أرضية في العراق منذ أكثر من عقد وهذا يسير متوافقاً مع تطور الهاتف النقال والبريد الإلكتروني، فقد أيقن أغلب الناس، بوهمٍ مريع، أنّ تلك الخدمات قد انقرضت.

ملهم الملائكة

تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

مقالات ذات صلة

فيلم مصري ودرس عراقي

فيلم مصري ودرس عراقي

بقلم محمد حسين صبيح كبة الحكاية الأولى يبدو واضحا للعيان أن الفيلم العربي المصري صراع في الوادي هو فيلم به ثيمة وبه حبكة مصوغتان بعناية فائقة. الواضح في الفيلم قيام الفلاحين بزرع القصب وفي سنة من السنين كان منتوجهم من الدرجة واحد بينما بسبب سوء إدارة إبن شقيق الباشا...

قراءة المزيد
مكتبات بدون مناسبة

مكتبات بدون مناسبة

بقلم محمد حسين صبيح كبة كنت في الثانوية قبل السادس الإعدادي في الخامس الإعدادي، وقتها علمنا أنا وصديق مسيحي أن هناك إمتحان في كلية معينة تقبل الطلاب قبل الإعدادية إذا ما نجحوا في الإمتحان. كان الأمر أشبه بحوزة دينية علمية لا تطبق النظام الفرنسي. علمنا بعدها بسنوات أنه...

قراءة المزيد
معجزة سفينة البحر المتجمد

معجزة سفينة البحر المتجمد

بقلم محمد حسين صبيح كبة   في شتاء معين وفي مكان بعيد عن العالم وعلى ساحل ذي بحر في عطلة نهاية الأسبوع قررت أن أتمشى على البحر مرة أخرى. الثلج هذه المرة يغطي المكان برمته وكأنه سجادة حيكت بدقة. المشكلة أنني لم أكن ارتدي حذاءً خاصا بالشتاء وبالثلج بل كان حذاء عاديا...

قراءة المزيد

1 تعليق

  1. ثامر مراد

    طالعت هذه الرسالة التي كتبها كاتب مجهول وهو يحاول ان يناجي عشقه الكبير..العشق الذي مزق كل شيء في تجاويف روحه وكيانه ووجدانه. ربط ادبي رهيب بين سنوات الحاضر والماضي السحيق. يبدو ان الحكاية كانت قد رسمت لها تاريخاً باهض الثمن في حياة كلا العاشِقَينْ…حقاً انها حكاية وقفتُ عند تلولها وساحاتها وهضابها وحاضرها وماضيها . حكاية بحجم معاني كلمات فيروز وعمق الحان الرحابنة مجتمعين. الغريب في هذه الحكاية او لنقل المناجاة – ان صح التعبير – أنها تذكرني بحكاية مقاتل شرس في زمن حرب الثمانينات. كنا معاً في ظروف صعبة وكل واحد منا كان يحلم احلامه الخاصة . كنا لانفارق بعضنا البعض رغم سنوات الخوف والقنابل والموت المنتشر على كل الجبهات. كنا نستمد من بعض قوة خفية تسمح لنا بمواصلة الحياة رغم الجوع والخوف من الموت او الضياع في ارضٍ لانعرف اين ستكون. كنت استمد من ذلك المقاتل قوة غريبة على الرغم من انني كنت على يقين اننا سنموت هناك او نفترق في طرقٍ لايمكن ان نلتقي فيها الا في طرق الحب الكبير الذي دار بيننا طيلة سنوات الموت في كل ركن من اركان البلد المنهار. الغريب انه كان يؤمن كل الايمان اننا لن نعود سالمين الى عوائلنا وزوجاتنا الا بمعجزة.. متُ انا قربه ودفنني بيديه الرائعتين ومات هو الاخر ونهضت من قبري لأدفنه هو الاخر قرب قبري..ومتنا هناك او ربما عدنا ..من يدري هل كان كابوسا في لهيب الموت ام حقيقة نجترها كل يوم. سلاما ان كنا سالمين على قيد الحياة وليرحمنا الله ان كنا في الملكوت الأعلى. كنت اتمنى ان اعرف كل الحكاية وكيف كانت نهايتها لكننا متنا قبل طلوع الشمس. ثامر مراد – بغداد .

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *