تأملات بنيوية تاريخية
ع أروم الابتداء بحرف العين، وهي عينُ بداية “كتاب العين” أول معجم باللغة العربية وضعه الخليل ابن أحمد الفراهيدي، الذي ولد في البصرة بالعراق ومات فيها حيث عاش زاهدًا تاركاً لملاذ الدنيا، ولا ندري هل كان زاهداً لرغبته في التفرغ للبحث والدرس كما هو حال جلّ العلماء، أم كان زاهداً لفقره، ولم يتقرب سوى لأهل العلم واللغة والشعر. ويوصف بأنّه أشعث الشعر طويله بغير عناية، شاحب البشرة لكثرة جلوسه في الظلام وهو يقرأ منشغلاً عن الأدام والشراب وملاذ الحياة، وهو رث الملابس، وبانت في قدميه شقوق عميقة، كما حالنا بالضبط نحن المحرومون من لبس الأحذية والجوارب في برد إيران وخاصة إقليم الري، منذ 6 أعوام، حتى باتت شقوق أقدامنا فجاجاً كأنها فطور في وجه الأرض. ولشدة انشغال الفراهيدي بالدرس والبحث لم يكن معروفاً بين الناس، طبعا نحن نتكلم عن عصر لا تلفاز فيه ولا اعلام ولا راديو ولا مسرح ولا سينما ولا صحافة. وفوق كلّ ذلك كان يرى نفسه وحيد عصره، ويتيم زمانه، خلياً من الخل، نائياً عن كل صاحب. انه عقل خلاق، عاش قريباً من الكلمة، بعيداً عن الناس، كشأن العلماء في كل زمان، والملفت للنظر أنّ هذا قد جرى في فترة مبكرة من عمر الإسلام، ولا يدري المرء كيف سكت شيوخ الفتنة مثيرو المشكلات عن وجود عالم جليل بينهم، والأكيد أن فقره المدقع صرف عنه شيوخ الفتنة!
ومما يشهد لمؤلف كتاب العين أنّه جعل حروف العربية 29 حرفاً بدلاً عن 28 حرفاً، مبتكرا الحرف الجديد من دمج اللام بالألف وهو ما يعرف ب “لام ألف”، ودافع عن تصوره وابتكاره بقوة جعلت هذا الحرف موجودات في حروف الطباعة، وموجوداً في حروف الكومبيوتر، وهو الذي ابتدع الشدة، بدغم حرفين، ووضع لها رمزاً حرف ش، وبمرور الزمن أختصر حرف ش إلى مجرد ” ّ “.
ومن أشهر ما نقل عن الفراهيدي قوله “الناس أربعة: ـ فرجلٌ يدري وهو يدري أنه يدري، فذاك عالمٌ فخذوا عنه. ورجلٌ يدري وهو لا يدري أنّه يدري، فذاك ناسٍ فذكِّروه. ورجلٌ لا يدري وهو يدري أنّه لا يدري، فذاك مُسترشِدٌ فعَلِّموه. ورجلٌ لا يدري وهو لا يدري أنّه لا يدري، فذاك جاهل فارفضوه.”
ولا أدري لماذا اختار الفراهيدي أن يبدأ معجمه بحرف (ع) هل هو محاكاة للغة بعض الأعراب التي تقلب الهمزة عيناً، فيقال “قرعان” بدلاً عن “قرآن”، أم أنه ابتكار من جناس بين حرف عين، وبين كلمة عين التي تتضمن عشرات المعاني. وهذا بعض ما قاله الخليل في هذا الباب:
“بَدَأَنَا في مُؤلَّفنا هذا بالعين وهو أقصَى الحروف، ونضُمُّ إليه ما بعده حتى نَسْتَوْعِبَ كلام العرب الواضحَ والغريب، وبدأنا الأبنيةَ بالمُضاعَف، لأنّه أخفُّ على اللّسان وأقرَبُ مأخذا للمتفهم.
(حرف العين)
(باب العين مع الحاء والهاء والخاء والغين)
العَيْن لا تَأْتَلِف مع الحاء في كلمة واحدة لقُرْب مَخْرَجَيْهما إلا أنّ يُشْتَقَّ فِعلٌ من جمعٍ بين كلمتين مثل حَيَّ على كقول الشاعر:
ألا رُبّ طَيفٍ بَاتَ منك مُعانِقِي… إلى أن دَعَا داعي الفَلاحِ فَحَيْعَلا
يُريدُ: قال: حَيَّ على الفَلاح أو كما قال الآخر:
فباتَ خيال طيفِكِ لي عنيقاً … إلى أنْ حَيْعَلَ الداعي الفَلاحا
أو كما قال الثالث:
أقولُ لها ودمعُ العَينِ جار … ألَمْ يَحْزُنْكِ حَيْعلة المنادي
فهذه كلمة جُمِعَتْ من حَيَّ ومن على وتقول منه: حيعل يُحَيْعِل حَيْعَلَة، وقد أكثَرَت من الحيعَلة أي من قولك: حَيَّ على. وهذا يشبه قولهم: تَعَبْشَم الرجل وتعَبْقَسَ، ورجل عَبْشَمِيّ إذا كان من عَبْد شمْس أو من عَبْد قَيس، فأخذوا من كلِمتين مُتعاقِبتين كلمة، واشتقُّوا فعلا، قال “.
ونستفيد من هذا الوصف أن حرف (ع) هو آخر حروف ألف باء العربية، لكنّي لم أجد قط تسلسلاً معروفاً لحروف العربية ينتهي بالعين! فماذا أراد الفراهيدي بقوله “بَدَأَنَا في مُؤلَّفنا هذا بالعين وهو أقصَى الحروف”؟؟
وهكذا يبدأ الفصل الثاني من الرواية بالحرف ر وحسب قراءة في تفسير البيان توصلت إلى أنّ حرف الرَّاءُ حسب المعجم الوسيط هو الحرف العاشر من حروف الهجاء، وهو صَوت مجهور مكرْر، ومن الأصَوات المتوسطة المائعة، ويصدر من طَرْقِ طرف اللسان لحافة الحنك الأعلى عِدَّةَ مرات.
ويتصف حرف الراء بصفة واحدة من الصفات المتوسطة وهي الإذلاق، فيما يعتبر حرف الراء من حروف الترقيق والاستفحال والانتفاخ.
وتشترك بعض الحروف في بعض الصفات التي يتصف بها هذا الحرف فلا تختص الصفات به وحده، فمثلاً يشترك حرف الألف واللام مع حرف الراء في صفة الترقيق.
ومن معاني الرَّاء أنه شَجَرٌ سهلي له ثمر أبيض أو أحمر، واحدته راءةَ. ومن معانيه أيضاً: زبد البحر.
ومن الراء ينبعث فعل الرُّؤيَة بالعَيْن وهو فعل يتَعدَّى إلى مفعول واحد وقد يتعدَّى إلى مفعولين؛ يقال: رأَى زيداً عالماً ورَأَى رَأْياً ورُؤْيَة ورَاءَةً مثل راعَة (ونلحظ اقلاب الهمزة ع على طريقة بعض العرب في النطق).
وقال ابن سيده: الرُّؤيَةُ النَّظَرُ بالعَيْن والقَلْب، فيما ذهب ابن الأَعرابي إلى: على رِيَّتِكَ أَي رُؤيَتِكَ، وفيه ضَعَةٌ وحَقيقَتُها أَنه أَراد… رُؤيَتك فَأبْدَلَ الهمزةَ واواً إبدالاً صحيحاً… كَسَرَ الراءَ لمجاورة الياء فقال رِيَّتِكَ
وقد رَأَيْتُه رَأْيَةً ورُؤْيَة، وليست الهاءُ في رَأْية هن … للمَرَّة الواحدة إنما هو مصدَرٌ كَ…
أما لسان العرب فيذهب إلى أن رُؤْيَةُ هي: النَّظَرُ بالعَيْنِ وبالقَلْبِ. ورأيتُه رُؤْيَةً ورَأْياً وراءَةً ورَأْيَةً ورِئْياناً وارْتَأَيْتُه واسْتَرْأَيْتُه.
ـ حمدُ للّهِ على رِيَّتكَ، أرُؤْيَتِكَ.
ـ رَّءَّاءُ: الكَثيرُ الرُّؤْيَةِ.
ـ رُّؤِيُّ، ورُّؤَاءُ، ومَرْآةُ: المَنْظَرُ، أو رُّؤِيُّ، ورُّؤَاءُ: حُسْنُ المَنْظَرِ، ومَرْآةُ مُطْلَقاً.
ـ تَّرْئِيَةُ: البَهاءُ، وحُسْنُ المَنْظَرِ.
ـ اسْتَرْآهُ: اسْتَدْعَى رُؤْيَتَهُ.
ـ أرَيْتُه إيَّاهُ إراءَةً وإراأً، وراءَيْتُه مُراآةً ورِئَاءً: أرَيْتُه على خلا…
المزيد
فيما يلتفت القاموس المحيط إلى الفعل راءى ومضارعه يُرائي، راءِ، رِياءً ورِئاءً ومُراءاةً، فهو مُراءٍ، والمفعول مُراءًى، ويقال: راءى النَّاسَ نافَق، أظهر أمامهم خلاف ما هو عليه: راءَى رئيسَه، وفي الذكر الحكيم “كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ”، “يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إلاَّ قَلِيلاً”، {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ}: مرائين لهم التماسًا للجاه وطلبًا للثناء.
ومن معاني الراء والرياء والرؤى يأتي الرأي: وهو نظرة محددة ينظر بها الفرد لظاهرة أو مسألة معينة، وهو مرتبط بالعقل الإنساني وملازم له، وليس بالضرورة ناتج عن التفكير فالرأي قد يتكون بتأثير العاطفة وليس من عمل التفكير.
والرأْي (عند الأصوليون) هو استنباط الأحكام الشرعية في ضوء قواعد مقررة. وجمعه آراء.
العرب ينطقون حرف راء بشكل مرقق أو مفخم حسب الكلمة التي يقع فيها دون إضافات، أما بالنسبة للعبرانيين فيضيفون حرف الشين إلى الحرف ويلفظونه “رش” أما السريان فيضيفون الياء والشين إلى الحرف ويلفظونه “ريش”. ومن مقارنتي لحرف ر بالعربية والإنكليزية والفارسية والألمانية اكتشفت انّ هذا الصوت الذي يبدو واحداً متفاوت اللفظ في كل تلكم اللغات، حتى وإن تقاربت مخارج الحروف على ألسن الناطقين باللغة. والحقيقة أن ر اللغة الإنكليزية عسير جداً على أغلب من يتعلمون اللغة الإنكليزية، ويحاول بعضهم لفظه بطريقة صحيحة، فيفشل غالباً. وهكذا يكون ر عندي هو الحرف التالي لحرف ع الذي تضمنه الفصل الأول من روايتي التي اكتبها في غيابة السجن.
أ حرف الألف
الهمزة تختلف عن الألف في أنها تقبل الحركات، بينما لا يقبل الألف ذلك. وينقل شارح نهج البلاغة عن سيبويه القول: “أصل حروف العربية تسعة وعشرون حرفًا: الهمزة والألف”.
ومن أهم فروق الهمزة عن الألف انها قد تأتي في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها، بينما لا تأتي الألف إلا في وسط الكلمة أو آخرها، ولا تقع في أولها، لأنها لا تكون إلا ساكنة وأول الكلمة لا يكون إلا متحركًا. وما نراه من وقوع الألف في أول الكلمة هو اكرام للهمزة، أي انها ألف ترفع الهمزة فوقها أو تخفض تحتها. فيقال: أنزل، يأكل، سماء.
وحسب سيبويه فإن الهمزة حرفٌ لا صورة له في الخط، وإنما يُكتب غالبًا بصورة الألف أو الواو أو الياء، لأنها إذا سُهِّلت انقلبت إلى الحرف الذي كُتبت بصورته، وهذا لعمري منتهى الغموض، اذ نعرف أن شكل الهمزة هو (ء) وأراها حرف (ع) مقطوع ذيله، وهذا يرتبط بالهمزة العراقية (قراعة، قرعان، عقرة).
الألف والهمزة حرفان مستقلان عن بعضهما، فالهمزة حرف حلقي، والألف تخرج من الجوف، وأحكام الإعراب تكون ظاهرة على الهمزة، بينما هي مقدرة للتعذر على الألف. وقد كان القدماء يذكرونهما في حروف الهجاء مستقلين، فتأتي الهمزة في بداية الحروف، بينما نجد الألف بعد الواو مكتوبة هكذا (لا) لأنها لا تكون مستقلة في النطق، فوصلوا بها اللام. هناك فرق بينهما ويتضح ذلك في صفات كل منهما.
الهمزة حرفٌ لا صورة له في الخط، بل يُكتب غالباً بصورة الألف أو الواو أو الياء، وهي التي تعرف بالفونتكس الإنكليزي Vowels لأنها إذا سُهِّلت انقلبت إلى الحرف الذي كُتبت بصورته. والقياس في كتابة الهمزة أن تُكتب بالحرف الذي تُسَهَّل إليه إذا خُففت في اللفظ, فالهمزة في مثل: ” سأل وقرأ ” تُكتب بالألف، لأنها إذا خففت تسهل إلى الألف، فتقول “سال وقرا” وفي مثل: “سؤال ومؤن ولؤلؤ” تُكتب بالواو , لأنها إذا خففت تُلفظ واواً, فتقول ” سوال ومون ولولو”، وتكتب في “ذئاب وخطيئة ولآلئ” بالياء، لأنها تُسهَّل إليها، فتقول: ” ذياب وخطية ولآلي”
الهمزة ترسم في أول الكلمة دائماً “دايماً…دوماً” على ألف، أما الألف فإنهم لما أرادوا أن يسموها وفقا للنهج الذي انتهجوه في تسمية الحروف (وهو أن يكون اسم كل حرف بادئاً به). وعرفت من غرائب نهج البلاغة أنّ “أل” التعريف لدى بعض علماء اللغة العرب هي عبارة عن حرف “ل” للتعريف لكن اللام وحدها ساكنة فأدخلوا عليها همزة الوصل لجعلها منطوقة أي انهم عكسوا الأمر هنا فأدخلوا على الألف لاماً متحركة بالفتح فصار اسم الألف (لام ألف) وهذا هو الحرف الذى تعلمه اغلب الناس في دراستهم الابتدائية، حيث كانوا يحفظون (واو لام ألف ياء).
الهمزة على سبيل التعميم: حرف حلقي أما الألف فقد تأتي بعد الهمزة، ويحدث هذا في حالات منها صيغة الصفة فعلان من الفعل الثلاثي المنتهي بهمزة مثل ظمأ يظمأ فهو ظمآن وملأ فهو ملآن، ونلاحظ هنا أن “آ” تتكون من همزة وألف. كما يجري هذا في المثنى من أي كلمة تنتهي بهمزة مثل مبدأ، فالمثنى منها مبدآن.
ولكن الذي يلفت النظر في كل اللغات، أنّ هناك قاسماً مشتركاً في صوت حروف هجائها، هو الهمزة أو مهد الألف الي تتربع عليه نبرة الهمزة. ففي اللغة العبرية يكون الحرف א هو حرف الألف مرفوعة عليه همزة، ويلفظ كالعربية، أما اللغات الأوروبية ومعها اللغة التركية حسب ابجدية كمال اتاتورك فتبدأ حروفهم دائما بصوت A، ويبدأ حرف الافتتاح باللغة الروسية واللغات السلافية بحرف A ويلفظ مثل أ العربية. وارسلت بيد أحد المبلغين سؤالاً إلى الطلبة الصينيين من الروهنجا الدارسين في حوزة قم عن حروف الهجاء الصينية وما هو أول حروفها فجاء الرد مكتوبا على قصاصة صغيرة 诶 A أ .
لماذا تشترك كل لغات العالم بحرف البداية أ إذن؟ الإسلاميون يدّعون أن اللغة العربية هل أصل كل لغات العالم، لكن العربية نفسها متحدرة من العبرية والآرامية، وفيها تأثيرات فارسية وتركية وانكليزية وألمانية ومغولية وسومرية وبابلية وآشورية، لذا يبقى السؤال دون جواب، لكن لا بد من القول إنّ كثيراً من العلماء يرجّحون أن أصل كل لغات العالم بدأ بالأبجدية الآرامية والتي تفتتح هي الأخرى بدمج حروف الألف والهمزة واللام وتلفظ “آلاف” وتكتب بنفس حرف البداية العبري ܐ.
رحلتي مع حرف الألف وهمزاته لم تنته، وسأبقى اتابعه أملاً في العثور على سر اللغات، يبدو لي أن كلّ لغات العالم بدأت بالحروف الثلاثة الأول: أ، ب، ج…A, B, C…باي حرف بدأت محنتنا نحن المحاصرون في سجن ولي الفقيه المغرق بالظلم والظلمات؟
ق هوما تبقى في رباعية حروف الوطن، والقاف في قراءات العربية الصوتية حرف يجسد ظاهرة القلقلة الصوتية، وعليه تستقر أصوات المرتلين والمجودين.
هذا الحرف ويا للغرابة موجود في كثير من اللغات، لكنّ طريقة نطقه قد تختلف، وهو في اللغة العربية الحرف الحادي والعشرين، وفي الفارسية يحتل المرتبة 24، والحرف التاسع عشر في الابجدية العبرية. وفيما يحدد هذا الحرف ظاهرة القلقة وصنعها في تلاوة وترتيل وتجويد القرآن، فإنه يبتعد في لغات أخرى عن القلقلة تماما ويلفظ شيئاً آخر، ففي الفارسية يلفظون “غ” وفي العبرية يلفظونه “ك” ويكتبونه “کوف ק “
ولكن لابد من القول ان الفارسية تميز في تلفظ حرف القاف، وحين تعتمد مفردة عربية، فأنها تبقي عليه بلفظ “ق”، مثل كلمة “قلب”، وكلمة “عقل”، ولكنّ القاعدة يخرج عنها كلمات كثيرة من أشهرها كلمة “غرب”، حيث يلفظها البعض “ق” فيما يغمقها آخرون فيلفظونها “غ”.
والقاف حرف موجود في اللغة الآرامية، وفي اللغة السريانية والنبطية والسامرية والفينيقية، وفي لغات آخري، لكنه مختف في اللغات الأوروبية والجرمانية، ويعتبر اللغويون أن الحرف Q هو تعبير عن هذا الحرف، وفي الإنكليزية لا يظهر حرف Q إلا متبوعاً بحرف U ، وهذه حقيقة لا يدركها كثير من المتخصصين في اللغة الإنكليزية، أما في اللغة الألمانية فيضعف الحرف Q إلى درجة أنّه لا يظهر سوى في مفردات وافدة على اللغة الألمانية.
لحرف القاف معنى في اللغة العربية، فهو يدل على ظهر العنق، وهو ما يقال عنه اقلاباً “القفا”، أما في اللغة العبرية ولغة اليدش اليهودية العتيقة، وفي اللغة القبطية فهو يعني قرد.
وفي الكتابة الصوتية، يرمز لحرف القاف بالرمز / q /
وتختلف طريقة نطقه في لغة العراق وبلدان الخليج والجزيرة فينطق كالجيم (الأصلية) وهكذا يقال “جاسم” بدلاً عن “قاسم”.
وبالمناسبة فإنّ (“نطق” فعل يستخدم بمعنى “لفظ” أيضاً، وهنا لابد من الايضاح أنّ اللفظ من معاني الرفض والبصق، وحين يستخدم في وصف النطق، فإنه يختص بالكلمات التي تستهل بأصوات كأنها فعل “البصاق”، أما حين يستخدم الفعل “نطقَ” فإنه يأتي بمعنى أخرج مجموعة أصوات قد يظهر بينها تقعر القاف، وفي تحليل اللغة البنيوي، يتفرع عن الفعل “نطقَ”، الفعل “قال”، والمشترك بينهما صوت ق / q /).
وفي مصر وأغلب بلاد الشام فإنّه يُلفظ كالهمزة “أل” ايه بمعنى “قال” إيه، “ادام” بمعنى أمام، “بأى” بمعنى “بقي” وهكذا.
كما ينطق كالكاف في أجزاء من الشام دون الأردن وفي بعض مناطق الجزائر.
ينطق كالجيم غير المعطشة /g/ (الجيم المصرية) في غالب لهجات شبه الجزيرة العربية وبدو الأردن وحضرها وفي اغلب مناطق البدو بالأردن والشام وفلسطين وسيناء والصحراء الشرقية ومناطق الفلاحين والصعيد وأغلب ليبيا، بل يُنطق بهذا الشكل حتى في اللغة العربية الفصحى لدى بعض أهل اليمن.
ويرجح علماء الألسنية ومنهم ابن خلدون أن هذا الصوت هو صوت القاف الأصلي في العربية تاريخيًّا.
وفي رأي آخر، فإنّ اسم العراق يرجع في اصله الى تراث لغوي قديم، قد يكون سومرياّ، أو من غير السومريين كالساميين الذين استوطنوا السهل الرسوبي منذ ابعد عصور ما قبل التاريخ، وان (عراق) مشتق من كلمة تعني (المستوطن) ولفظها اوروك uruk وهي الكلمة التي سميت بها المدينة السـومرية الشهيـرة الوركاء .
ويـرى البعض، استعمال كلمة (عراق Irak) ورد في العهد الكيشي في منتصف الالف الثاني قبل الميلاد. وجاء فيها اسم اقليم على هيئة (ابريقا) الذي صار على الاصل العربي لبلاد بابل او كلمة (العـراق).
فـي المدونات الكلاسيكية اللاحقة ظهرت تسمية (ميزوبوتاميا) الجغرافية في زمن يقع بين القرنين الرابع والثاني قبل الميلاد ولا سيما في استعمالات الكتبة الكلاسيكيين اليونان والرومان، ومعناه (بلاد الرافديــن) او (ما بين النهرين) . ويتألف الاسم من مقطعيـن: ميزو Meso معناه بين او وسط. وبوتاميا potamia بمعنى نهر، وهو لفظ ينحدر عن الاغريقية ، بمعنى الماء او النهـر .
ولـم تلبث هذه التسمية (ميزوبوتاميا) أي (ما بين النهرين) و (بلاد الرافدين) عند الكتاب والمؤرخين والرحالة الاوروبيين أن عمت لتشمل البلد كله. ولا يزال يستعمل حتى بعد شيوع استعمال العراق. وشبيه بهذه التسمية ما استخدمه الكتاب العرب في العصور الحديثة حيث استخدموا تسمية (وادي الرافديـن).
والغـالب في استعمال الكنية الكلاسيكية لتسمية (ميزوبوتاميا)، انه كان يطلق على الجزء الشمالي من العراق او الجزء الشمالي من بلاد ما بين النهرين المحصور بيــن دجلة والفـرات الى حدود بغداد، أي انه يرادف تقريبا تسمية (الجزيـرة) فـي استعمال البلدانييــن العرب.
لقـد اشار بعض الآثاريين الى احتمال ظهور هذه التسمية فـي عهد الاسكندر المقدوني، ولعـل اقدم واوضح استعمال لتسمية (ميزوبوتاميا) ما ورد في كتابات المؤرخ الشهير بوليبيوس . ويضيف آخرون إن أقدم استعمال لهذه التسمية هو ما جاء في مدونات المؤرخ الاغريقي فلافيوس اريانوس المعروف اختصارا بـ اريـان.
ويـرى عالم المسماريات فنكلشتاين من جامعة شيكاغو في دراسة له حول هذه التسمية، ان تسمية ميزوبوتاميا قد يعود بأصوله الى تسميات قديمة وردت في بعض النصوص المسمارية الاكدية على النحو التالـي:
بيرت نارم birit narim
مات بيرتم mat birtim
بيريتوم biritum
جميعها تعني (بين النهريـن) .
احـد الآثاريين المعاصرين، يرى ان التسمية (ما بيـن النهرين) غير دقيقة من الناحية الجغرافية والتاريخية، وقد تثير الالتباس للقراء العرب من غير المختصين، كما ان فيها محاولة لعزل الماضي عن الحاضر وتجريد بلاد الرافدين من عمقها التاريخي والحضاري، ولذلك يفضل ترجمة (ميزوبوتاميا) الى (بلاد الرافديـن) .
اسـم آخر أطلق على العراق هو (ارض السواد)، ويعد من اقدم الاسماء العربية التـي تطلق على الارض الرسوبية على ضفاف دجلة والفرات. وقد أطلق عليها هذا الاسم كما يبدو للعين من التفاوت بينها وبين صحراء العـرب.
وكلمة (السواد) إذا سبقت اسم مدينة من المدن كان معناه الحقول المزروعة على نطاق واسـع في اراضيها التي تروى ريا منتظمـا.
و (السواد) في اكثر معاجم اللغة جاء بمعنى (الخضرة) ، والخضرة اذا اشتدت ضربت الى السواد من كثرة الري من الماء . والسواد هو من ارض العراق، سمي سوادا لسواده بالزرع والاشجار لانه حين تاخم جزيرة العرب التي يقل الزرع فيها والشجر كانوا قد خرجوا من ارضهم اليه ـ أي الى السواد ـ ظهرت لهم خضرة الزرع والاشجار، ولهـــذا سموا خضرة العراق سـوادا.
وقـد وردت تسمية “العراقين” في كتب التاريخ والادب، وظهرت اول مــرة في العصر الاموي وقد أطلقت على كل مرة من البصرة والكوفة لانهما عاصمتا البــلاد. وكان ذلك يـوم بعث معاوية بن ابي سفيان الى زياد بن ابيه والي الكوفة وجمع له البصرة، لما مات المغيرة بن شعبة امير الكوفـة.
وذكـر الزمخشري ان (العراقيـن) هما الكوفة والبصرة. ثم جاء البلدانيون من الفرس فأطلقوا على جزء من بلاد فارس اسم (عراق) وعرف باسم (عراق العجم) أو (العراق العجمي) تمييزا له عن (العراق العربـي).
وعـراق العجم هو اسم يطلق على مناطق إيران المحاذية لحدود العراق في العمق الإيراني ويشمـل مدن حمدان والدنيور واصفهان وقم ونهاوند وعيلام وكرمانشاه، واغلب المصادر تشير الى ان (العراقين) في العصر السلجوقي على العراق العربي وعلى (ميديا) أي اقليم الجبال الذي سمي (عراق العجـم) .
والعـراق في (معجم العين) للخليل بن احمد الفراهيدي، يعني شاطئ البحر، وسمي عراقا لأنه على شاطئ دجلة والفرات حتى يتصل بالبحر على طوله، واهل الحجاز يسمون ما كان قريبا من البحر عراقـا.
وفـي (مروج الذهب ومعادن الجوهر) للمسعودي، سمي عراقا لمصب المياه اليه كدجلة والفرات وغيرهما من الانهار، ويظن انه مأخوذ من عراقي الدلو وعراقي القربـة.
امـا في (الاحكام السلطانية) للماوردي، سمي عراقا لاستواء ارضه حين خلت من جبال تعلو واودية تنخفض. والعراق في لغة العرب الاستواء.
العراق في الشعر العربي
وظـهر اسم العراق لأول مرة في الشعر العربي وجاء ذكره في اشعار الشعراء وهـي كثيرة أكثر مما تحصى، اكتفى المؤلف ايراد الآتـي:
قـال المتلمّس، وهو جرير بن عبد المسيح الضبعي، كان من شعراء البحرين، جاء الى الحيرة في العراق، ومنها هرب الى الشام وبقي فيها. وقد بلغه أن عمرو بن هند يقـــول: (حرام عليه حب العراق أن يطعم منه حبة) فقال المتلمس قصيدة طويلة يقول فيهـا:
أن العـراق وأهله كانوا الهوى فإذا تأتي بي ودهّم فليبعـد
والمنخلَّ اليشكري قال، وهو الشاعر الذي نادم النعمان بن المنذر الذي اتهمـه بأمراته المتجردة فقتله، يقـول:
ان كنـتِ عاذلتي فسيري نحو العراق ولا تحـوري
وقـال امرؤ القيس عن ملك جده الحـارث:
ابعـد الحارث الملك بن عمر له ملك العراق الى عمـان
امـا عنترة العبسي فانه عندما طلب الزواج من ابنة عمه عبلة اشترط عليه عمه صداقا من إبل النعمان المعروفة (بالعصافير) فذهب الى العراق وسجن، وفي ذلك يقول:
تـرى علمت عبيلة ما ألاقي من الاهوال في ارض العـراق
طغـاني بالريا والمكر عمي وجار عليَّ في طلب الصـداق
فخـضت بمهجتي المنايـا وسـرت الى العراق بلا رفـاق
وجـاء اسم العراق في مقصورة للشاعر النابغة الذبياني وكان قد خرج مع الامـام علي في معركة صفين فقـال:
قـد علم المصران والعراق أن عليا فحلها المتّسـاق
وابو الطيب المتبني أكثر من ذكر العراق في اشعاره في مختلف المناسبات، وقال في مدح سيف الدولة الحمدانـي:
كيـف لا تأمن العراق ومصر وسراياك دونها الخيـول
اخيـرا يرى المستشرق الانكليزي ليسترارنج، ان العرب أطلقوا على ما بين النهرين الجنوبي اسم (العـراق) ومعناه الجرف او الساحل، على ان منشأ هذا اللفظ واصله مشكوك فيه، ولعله يمثل اسما قديما قد فقدناه او انه كان يستعمل في الاصل في معنى غير هـذا.
وفـي رأي المستشرق الالماني هرتسفيلد الذي يعلق قائلا: ان الــرأي الاصح المتبوع فهو ان العراق تعريب (ايراه) بمعنى الساحل، لأنه على ساحل الخليج او ساحــل شط العرب، وان كل كلمة فارسية تنتهي بـ (هاء) تعرّب بـ (جيم) او (كاف) او (قاف) علــى ما هو مشهور اما قلب (الهمزة) فـي اول الكلمة (عينا) فأشهر من يذكر وهـي لغــة قائمة برأسها تعرف بـ (العنعنة) فيكون بـدل (ايران) (عراق) ، ثم حذفت اليـاء من (عيراق) بعد التعريب لتحمل على وزن عربـي .
* من كتاب اسم العـراق، أصله ومعناه عبر العصور التاريخيـة، تأليف: سالم الالوسي، ط1، منشورات المجمع العلمي العراقي، بغـداد، 2006 96 ص.
العـراق ـ متى نشأ هذا الاسم وما معناه؟
يذهب اخلاص محي في دراسة نشرها بصحيفة المدى البغدادية عام 2013 إلى ان بحث تسمية العراقي مسـألة قديمة جديدة، شغلت الناس على مدى قرون … ايام كانت مدار بحث وجدل واجتهاد بين جمهرة المؤرخين والبلدانيين وعلماء اللغة منذ زمن بعيد . ثم لم تلبث مسألة اسم العراق وأصله ومعناه ان استجدت اواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين حين نهض لها صفوة من المؤرخين والباحثين والآثاريين الذين تناولوا الموضوع ودراسته على اسس من البحث العلمي الرصين، وكان معينهم في ذلك ما كشفت عنه التنقيبات الاثارية التي قامت بها البعثات الآثارية الاجنبية منذ اواسط القرن التاسع عشر واستمرت حتى ايامنا الحاضرة في المئات من مواطن الحضارات القديمة وخرائب المدن القديمة المنتشرة في عدد من بلدان الشرق الادنى القديم وما اسفرت عنه جهود علماء الكتابات القديمة وفك رموزها ودراسة نصوصها كالكتابات المسمارية والهيروغليفية والارامية والاغريقية وغيرها من الوثائق والاسانيد التاريخية . كذلك اعتمدوا على المصادر والمراجع العربية والاسلامية من كتب الادب والشعر والتاريخ ومعاجم اللغة والمؤلفات الباحثة في البلدان.
وقد بادر فريق ممن له ثقافة عصرية ومعرفة واطلاع على طائفة من اللغات الاجنبية الى الرجوع والاستعانة بالمصادر والمراجع المدونة بتلك اللغات فأثمرت جهودهم بإضافة معلومات جديدة الى معلوماتهم المستقاة من المصادر والمراجع العربية والاسلامية.
ويمكن القول، إن مسألة اسم العراق أصله ومعناه، والاهتمام بها تكاد تنحصر بعدد من العلماء والباحثين، عراقيين واجانب، انقسموا على اربعة فرق:
الفريق الاول ـ يمثل المدرسة القديمة التقليدية، ومن أبرزهم محمود شكري الالوسي.
الفريق الثاني ـ يمثل المؤرخين والباحثين العصريين ممن حاز نصيبا واطلاعا على لغة اجنبية او أكثر، مثل الاب انستاس ماري الكرملي ويوسف رزق الله غنيمة ورزوق عيسى وابراهيم حلمي العمر وفؤاد جميل.
الفريق الثالث ـ يتكون من عدد من علماء التاريخ والاثار ممن حصل على الشهادات العلمية والتخصص العالي من الجامعات والمعاهد الغربية، ومن أبرزهم العلامة طه باقر والدكتور محمود حسين الامين والدكتور عامر سليمان.
الفريق الرابع ـ مجموعة من الباحثين والآثاريين والمؤرخين الاجانب، كان من أبرزهم من اهتم بهذا الموضوع المستشرق الألماني الدكتور ارنست هرتسفيلد والمؤرخ الامريكي الدكتور البرت كلاي فكان لآرائهم وتحقيقاتهم التاريخية والاثارية الاثر الكبير في البيئة الثقافية والتاريخية في العراق.
0 تعليق