تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

العالم في عصر العولمة – الشعبوية إزاء الإسلام السياسي؟

مايو 5, 2021 | 0 تعليقات

                                                                فجأة وجد العالم نفسه وقوداً لحروب التيارات الاسلامية ضد الحضارات والتي نضت ثوب تحضرها لتعود الى الشعبوية فتدافع عن نفسها. فاز اردوغان في تركيا ليكرس بذلك قوة الإخوان المسلمين الى جانب قوة الجمهورية الشيعية في إيران. إزاء ذلك علا صوت الجبهة الشعبوية من مواقع الدفاع المحتملة.

بون/ المانيا. نجحت الشعبوية في أن تتخذ شكلا تحكم من خلاله عبر التجربة الشيوعية، فقد خاطب قادة الشيوعية الفاسدون المتسلحون بمبادئ كارل ماركس المثالية النبيلة مشاعر الشعوب، بخطاب بذيء، جعل من حاجات الناس تجارة رابحة في العالم الاشتراكي. فكانت أزمات اللحوم والبيض والوقود والكهرباء (المستمرة حتى الآن في كوبا وفيتنام وكوريا الشمالية) والأقمشة ومعاجين الاسنان وورق المرافق الصحية والمكاييج وسروايل الجينز عنوانا لعصور القحط اتي صنعوها بسياساتهم الشعبوية الرخيصة. وتبع كل ذلك تساقط القيم الفكرية والفنية والروحية، فالمجتمعات الشيوعية، سيطرت عليها مشاعر شعبوية رخيصة اقصت كل ابداع أو وعي ممكن، وباتت دول أوروبا الشرقية جمهوريات بدائية تدنت فيها قيمة الإنسان. في هذه المرحلة بالذات، ابتكر المعسكر الرأسمالي حربا على الشيوعية بسلاح بسيط غير مكلف ولا يحتاج الى قنونة أو تشريعات، فجاء شعار “الإسلام هو الحل” ليجعل من الإسلام سلاحا يتسلح به الإسلاميون في حروبهم وصراعاتهم التدميرية عبر العالم.

التاريخ مغاير لمعطيات الأرض

وقد يعترض البعض على التسلسل التاريخي في هذا السياق، لأنّ الاخوان المسلمين كحركة بدأت قبل هذا التاريخ، لكن ما جرى على الأرض، أنّ التجربة السوفيتية في افغانستان كشفت عن العجز الشعبوي المخجل الذي وصل اليه المعسكر الشيوعي، فكانت ضرورة التاريخ وحتميته الديالكتيكية –بلغة الماركسية- ان يطلع الضد الي يصارع الشعبوية من افغانستان، فظهر على سطح الأحداث “الشيخ السعودي المجاهد” أسامة ابن لادن و”المجاهدون” وهم التطبيق الوحشي السني للإخوان المسلمين ونظرياتهم، وفي نفس المرحلة بالضبط- سبعينات القرن الماضي ولدت “الجمهورية الاسلامية في ايران” التطبيق الشيعي الدعوي التوسعي، من خلال رجل الدين الشيعي الذي تربى في النجف “خميني”. مطلع ثمانينات القرن العشرين، اكتمل المشهد.

الاسلام السياسي دعوة للقتل بلاحدود

حلٌّ اسلامي سني ، وحلٌ اسلامي شيعي. ولكن العالم الشعبوي الشيوعي كان قد بدأ ينهار، فحُسم الصراع الديالكتيكي بين التدين والألحاد لصالح التدين، وكأنّ الغرب كان متدينا آنذاك! وانتصرت جبهة التدين فقرعت كنائس اوروبا أجراسها، وبات القادة الشيوعيون هم نفسهم حاملي لواء المسيحية المتحررة من رق عبودية الشعبوية!

الإسلام السياسي ظهر إذا بسبب الشعبوية، وتكررت تجربة اصطفاف الاديان لمحاربة الشيوعية، ولكنّ الشعوبية الغربية مصطفة اليوم لحرب الإسلام السياسي، وفي هذا السياق تحدث الصحفي لؤي المدهون المتخصص في الشأن الاسلامي في الصحافة الالمانية مبينا أنّ” لصعود الإسلاموية أسباب متعددة. لكن لا شك أن خطابات الإسلام السياسي تتشابه مع الخطابات الشعبوية السائدة في أوروبا الغربية حاليا، فهي معادية للنخب الحاكمة “الفاسدة”، كما تدّعي احتكار تمثيل الشعب بشكل قطعي. كما يجب أن لا ننسى أنّ أطروحات الإسلام السياسية تبقى تبسيطية وعاطفية ولا تقدم حلولاً مقنعة لتحديات وإملاءات الواقع”.

“الغرب يعتمد استراتيجية لا تحصر عدوك عند الزاوية”!

لكنّ تنامي المد “الإسلاموي” أحدث شرخا في المجتمع الغربي أيضاً، فباتت النخب تغرد في جانب، وغالبية الشعوب تغرد في جانب آخر، ورأينا خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وخيار بريكسيت الذي عده كثيرون عنوانا لهذه الشعبوية ، كما ظهر خيرت فيلدرز في هولندا، ومارين لوبان في فرنسا، و في المانيا فراوكه بيتري وحزبها “البديل من أجل ألمانيا”، وتيارات يمينية في اسبانيا واليونان واوروبا الشرقية، ثم سطع الانقسام بانتخاب الشعب الأمريكي الرئيس المثير للجدل “دونالد ترامب”، وأشدد هنا على أنه رئيس منتخب وهذا هو عين ما نحن فيه. وبتنا نرى مواجهة مقبلة لا هوادة فيها، بين الشعبوية والشعبوية اولا، فترامب يرى في رئيس كوريا الشمالية الشيوعي الشعبوي خصما لدودا قد يخوض حرباً نووية للقضاء عليه- وليس واضحا كيف سيجري هذا لكن التصعيد يمضي قدما. كما أنّ تصريحات ترامب السابقة باعتبار الأخوان المسلمين تنظيما ارهابيا، واعلان الحرب على “الدولة الاسلامية” تشي بمواجهة مقبلة شاملة ضد تيارات الإسلام السياسي. الكاتب والباحث الاكاديمي أحمد خالص الشعلان استبعد هذا السيناريو مبيناً أنّ “المواجهة الكونية مكلفة للعالم الغربي على الرغم من تفوقه التقني، وأظن أن ليس الولايات المتحدة  لوحدها وإنما الغرب كله تقريباً يعتمد على استراتيجية ديناميكية مفادها “لا تحصر عدوك عند الزاوية”، فمع أن المواجهة الكونية قد تؤدي فعلا الى فناء العدو و لكنها في الوقت نفسه قد تغيـُّب عن ناظر (التيار الشعبوي) استشراف ما وراء أكمة المد الإسلامي الأصولي من مخاطر يحجبها عنه انشغاله بالأصولية الإسلامية ونوع العدو الذي سيظهر بعد الأصولية الإسلامية.”

دولة ولي الفقيه في إيران تقود الاسلام السياسي الشيعي

إيران أولا ثم تركيا – مصانع المعممين!

مشهد الإسلام السياسي هو مشهد براغماتي بامتياز، اذ نجح في دمج الخطاب الشعبوي، بصناعة نخبة سياسية جديدة خرجت من منابر المساجد والحسينيات والتكايا المشبوهة. وفي إيران يتداول الناس نكتة مفادها أنّ” قم ومشهد هي مصانع  الملالي”. وهكذا بات الخطاب السياسي المتداول علنا يتحدث عن  كون الجمهورية الاسلامية في إيران قد “اعادت الكرامة والقيمة المعنوية والتاريخية للعمامة”، وغابت النخب السياسية الفاعلة، لتحل محلها نخب معممة جاهلة تغرق في معمّيات التثقيف المؤدلج . وما الصراع الجاري على كرسي الرئاسة- البروتوكولي المحض- في إيران الا صراع على العمامة، هل يكون الرئيس الرمز معمما فيعيد للعمامة شأنها، أم يكون أفندي مثل احمدي نجاد فيهين العمامة؟! 

والعمامة في ايران ايضا درجتان، فالسوداء هي علوية تنتسب نظريا للسلالة النبوية الشريفة، والبيضاء هي علمائية تنتسب الى الحوزات وما تغذيه في عقول المعممين. وعلينا أن نبقى في سياق رؤيتنا، فالاسلاموية السنية ” الأخوان المسلمون” هي السابقة تاريخيا، لكن الاسلاموية الشيعية وتصدير الثورة هي نتاج حركة العلماء في إيران التي نشطت مطلع القرن العشرين وبلغت اوجها إبان ثورة مصدق، وبالتالي هي سابقة تاريخيا للاسلاموية السنية أو معاصرة لها.

لكنّ ما يصل اليه المراقب أنّ الإسلام السياسي السني والإسلام السياسي الشيعي افقدا الاسلام جانبه المقدس؟ وهو ما أيده الصحفي لؤي المدهون المتخصص في الشأن الاسلامي في الصحافة الالمانية في حديثه لصحيفة العرب بالقول” هذا صحيح. تحويل الديانة الإسلامية إلى أيدولوجية تخدم أهداف سياسية تؤدي إلى اختزال الإسلام وفقدانه جانبه المقدس وأبعاده الروحية والفلسفية وتحوله الى برنامج سياسي دنيوي. وفي الواقع اذا نظرنا لتجارب إقحام الدين الإسلامي في العمل السياسي في المنطقة العربية والإسلامية في العقود الخمس الأخيرة فنصل إلى حقيقة واضحة مفادها أن خلط الدين مع السياسية يفسد الأثنين”.

يقود رجب طيب اردوغان الاسلام السياسي السني في العالم

الإسلام السياسي والشعبوية صناعة غربية مقصودة؟!

وبنفس الاتجاه، يمضي مرشد الإخوان المسلمين في تركيا رجب طيب اردوغان، مصمما كما يبدو أن يصنع جمهورية اسلامية سنية تركية تنأى بنفسها عن علمانية اتاتورك، وسنرى قريبا مصانع أنتاج الشيوخ تنتشر من مناطق غازي عينتاب وديار بكر الى ما حولها. ولا عجب أن يحرص اردوغان وأعضاء حزبه على استقطاب الاتراك المقيمين في المانيا خاصة ، فكما هو معلوم لا يهاجر الى اوروبا من تركيا الا سكان الأرياف، وهم يشكلون القاعدة القوية لحزب العدالة والتنمية التركي، والانتخابات التركية الاخيرة أفرزت بوضوح الانقسام المجتمعي الحاد في هذا البلد، فالمدن وضمنها العاصمة انقرة واسطنبول تقف ضد المشروع الاسلاموي، وتؤيد اتاتورك ونهجه، فيما الريف واقاليمه يقف مع مشروع اردوغان بشكل مطلق، وهذا يطابق تماما المشهد في ايران، فسكان المدن هم من قادوا الثورة الخضراء عام 2009، وسكان الريف يدعمون التيار المحافظ والانقسام المجتمعي ما برح يتعمق.

ويعزو كثيرون هذا التوتر القائم الى نظرية المؤامرة، ويضعون الغرب في موقع المنتج للتيارين، الإسلام السياسي والشعبوي على حد سواء، والى ذلك يرى الكاتب والباحث الاكاديمي أحمد خالص الشعلان ” أنّ الغرب قادر باستمرار على اختلاق “قوى” تدير له لعبة الأمم في المنطقة دون أن تدري تلك “القوى” أنّ الغرب هيأ لها الحاضنة والعوامل الموضوعية لإنخلاقها وهكذا خُلقت منظمة “الإخوان” و”حزب الدعوة” و”حماس” و”القاعدة” و”حزب الله” وأخيرا “داعش” وما رافقها من عشرات الأفراخ الشبيهة بها في سوريا والعراق “.

“الإخوان يثيرون الشعوب ضد الغرب بينما هم يتمسحون بنظريات الغرب السياسية “

ولعل قمة الغموض تتجسد في التشابه بين الإسلاميين والشعوبيين، تشابه يراه البعض بمستوى التداخل في المواقف والتوقعات، فحين هاجمت سلطات الحكومات العربية الاسلامويين وطاردتهم، لجأوا الى الغرب، ولا عجب أن نجد قيادات الاخوان المسلمين والقيادات الشيعية الإسلامية ما زالت محترمة مرفهة تعيش في الغرب، بل أنّ الغرب ما برح يشن حربا اعلامية ضد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأنّه يحارب الإخوان متهماً اياه بأنه” يحاول القضاء على شرعية الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي”. ولا أحد ينسى تلك الصورة التاريخية لرجل الدين روح الله خميني وهو ينزل من الطائرة الفرنسية ويده على كتف طيارها ليُسقط امبراطورية الطاووس شاهنشاه ايران محمد رضا بهلوي وهو ما زال في السلطة وفي أوج قوته، هكذا بكل بساطة بعد أن سحبت الولايات المتحدة الامريكية بشكل غامض البساط من تحت قدمي الشاه اقرب حلفائها في المنطقة لسبب ما زال مجهولاً !

اليمين الشعبوي هو نتاج لقوة الاسلام السياسي في اوروبا
صار وصول ساسة يمينيون شعبويون الى مواقع القيادة في اوروبا امرا واقعاً

وقد وصف الاعلامي والصحفي عبد العزيز الخميس في مقال نشره على موقع سكاي نيوز عربية في شهر نيسان /ابريل 2017 التشابه الغامض والعلاقة الديالكتيكية الدراماتيكية الضبابية بين التيارين بالقول:

” من المثير للسخرية أن الشعبويين الإخوان يثيرون الشعوب ضد الغرب بينما هم يتمسحون بنظريات الغرب السياسية، ويتفننون في استعمالها كالديمقراطية وحتمية صناديق الاقتراع والمساواة والتعددية، وهم من يرفض أي شيء سوى سلطتهم وأسبقيتهم وحاكميتهم، فما عدا ذلك فهي حاكمية جاهلية، كما نادى بذلك الشعبوي الإخواني سيد قطب. وتمتلئ النصوص الشعبوية الإسلاموية بأنّ الغرب هو العدو الأوحد الملحد الذي يريد الانقضاض على الإسلام والمسلمين، بينما لا ننسى منظر التلاحم الإخواني الأميركي، والرعاية الغربية لهم حينما وصولوا الى السلطة.”

اليوم وفي عصر العولمة تنامت قدرات الإسلام السياسي، فبات الإخوان المسلمون يؤسلمون اوروبا، ويملكون لوبي نافذ اخترق أعلى مراكز القرار في اوروبا، فيما تقوم الأحزاب الشيعية الاسلاموية بتبني مشروع تشييع” أسلمة” افريقيا ساعية لتكريس مفاهيم الدول الدينية في الشرق الأوسط، في حلم لنشر سلطة ولاية الفقيه على اوسع مساحة جغرافية ديموغرافية جيوسياسية ممكنة.

ملهم الملائكة

تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

مقالات ذات صلة

حكايات ساخرة بلا مناسبة

حكايات ساخرة بلا مناسبة

يصف الكاتب محمد حسين صبيح كبة برنامجاً روسياً افتراضياً عن لقاءات مع الناس ومع مهندسي نفط روس حول برج للنفط مائل الطباع بناه العراقيون، ويمضي ليصف أشياء أخرى غير ذات صلة بالنفط وابراجه. الحكاية بدأ الأمر بشكل لطيف وبدم خفيف. كان الأمر على شكل كاريكاتير في كتاب عن...

قراءة المزيد
كتابات ومفارقات

كتابات ومفارقات

يرى محمد حسين صبيح كبة أن فكرة التحول مما بين بشري وحيواني ونباتي وجمادي هي فكرة رهيبة راودت بعض العلماء مثل ذلك مثل محاولات العرب والمسلمين أمر محاولاتهم في الكيمياء وفي غير الكيمياء مثلا أمر إكسير الحياة ومثلا أمر تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب. الفكرة ممكنة...

قراءة المزيد
من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم

من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم

كتابات ساخرة من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم. يروي محمد حسين صبيح كبة طرفة تفيد أنّ خطيباً في أحد المساجد هبط من المنبر بعد خطبته وهو يرتجف من الخوف بعد أن أحاط المصلون به من كل جانب، ثم قالوا له بكل وضوح: قولك وخطبتك أن موقعة بدر كانت بالدبابات والقنابل...

قراءة المزيد

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *