الشعار بالعربية هو ما لامس شعر البدن ويعرف عالمياً بالملابس الداخلية (ظلما لأنها ليست داخلية)، الملابس التحتية هي اللحظة الفاصلة بين الجسد العاري والجسد المستعد للعري، هو الإخفاء حيث يحسن التخفي ولكن للحظات.
الإنسان مؤنثاً أو مذكّراً يبدو أحلى بشعاراته في لحظة تسبق العري. وشعار الأنثى منذ تطور مشهد العري بمطلع القرن العشرين وصولاً الى ما بعده، حتى اللحظة يستر مناطقها المنتجة (تكاثراً وحليباً)، يسترها بضعف مقصود، وهو يكشف أكثر مما يستر، ويكشف حيث يشتاق الرائي أن ينظر، ولولا تلك القطعة لما اشتاق الرائي الى المستور.
شعار الرجل أيضا ينحسر في منطقته الوسطى المنتجة، لكن لا يراد به الكشف، بل الإيحاء بالتستر والمحافظة، حتى بات الرجال عموماً يفضلون البوكسر لستر مناطقهم الوسطى، فهو أريح لوسائل انتاجهم، وأبعث على الدفء شتاء والاستبراد صيفاً. كما أنّ ما شاع منذ خمسينات القرن العشرين وصولاً إلى تسعيناته من ألبسة الجوكي وتحديداته المحززة التي تظهر وسائل انتاج الرجل مكبرة لم يعد يثير اهتمام الإناث غالباً، خاصة ل إن ثقافة المثليين استخدمته للكشف عن المؤخرة أكثر، فنفر منه الذكور المذكّرون وبقي عليه الذكور المعنيون بالأنوثة وما تعلق بجهاز اللذة وليس التبعل.
وللقصة تاريخ، فقد افتُتح في صالة كبرى بمتحف فيكتوريا وألبرت بلندن معرض يؤرّخ ويستعرض تفاصيل الملابس الداخلية وتطوراتها المعنية بحسن الملبس والتستر والمعنية بعرض المحاسن وتحسين الجميل وذلك تحت شعار” كشف المستور عن تاريخ موجز للملابس الداخلية”.
عرضت الموجودات المغرية على مساحة 37 ألف قدم مربع فاستحقت وصف أكبر معرض للملابس التحتية في التاريخ، ولو تولت موسوعة غينيس المقايسة لفازت المعروضات بأعلى رقم، لكنّ الأهم غاب عن المعرض، فالملابس التحتية تستر كنوزاً، وهي لم تظهر في هذا المعرض، بل ظهرت سيقان مناطق تناسل محايدة جبسية وبلاستيكية باردة ليس بها من الكنوز شيء. عني المعرض بإظهار فروق الجندر، والتوترات بين الأجناس المختلفة، لاسيما في المناطق التي تتقارب فيها الإناث من الذكور وتمحى الحدود، فلا يسع المرء أن يميّز الأهم فالمستور فالمطلوب ستره فالمطلوب تعريته. المعرض بشكل عام كشف خطوط الموضة وتوجهات الادهاش المراد بها تحريك المشاعر في مساحة حرجة بين العري والاستتار.
ما المقصود بالشعار (وسأبقى على استخدام الكلمة العربية الأصيلة المشتقة من ملامسة اللباس لشعر وزغب الجسد، مغادراً للتعريف الضعيف المستورد من اللغات الغربية بتعبير الملابس التحتية او الداخلية؟) هل هو ستر للمنطقة التناسلية بقصد حمايتها من المناخ وتقلباته؟
بل هو حماية لها من التماس بالملابس الخشنة التي نرتديها وهذا هو الأرجح في استخدامها، اذ ليس من المعقول أن ترتدي الأنثى فستاناً من الصوف فوق هنيها وثدييها الناعمين. كما ليس من المعقول أن يرتدي الذكر ملابس الجندية الصوفية الخشنة فوق أعضاء التكاثر الناعمة الحساسة الملساء.
وكنقطة استدراك، فإنّ منطقة التكاثر في أجسادنا تفرز سوائل ومواد تتلف الملابس، فلو بقيت المرأة على سروال أبيض أنيق لا ترتدي تحته شعاراً لسالت عليه من كنزها ومن أستها بقايا لا تسر الناظرين وتسيء لأناقتها. ولو لم يضع الرجل على منطقته شعاراً، لتساقطت بقايا البول والمذي والمني التي تخرج من قضيبه غالباً على سرواله واتلفته وبانت منه للعيان عورة لا تسر الناظرين. فوق ذلك فإن الخصية كما يعرف كل الرجال تفرز باستمرار تستسرون يترك آثاراً وروائح على شعاراته، ولولا تلك الشعارات لفاحت الروائح وبانت الآثار على السراويل.
فوق ذلك، فإنّ التشطّف بعد التغوط يترك آثاراً مائية ستظهر على السروال والتنورة لو لم يرتد الرجال والنساء ملابس تحمي المنطقة الخاصة العزيزة الوسخة وتقي الآخرين روائحها وافرازاتها.
هذا من الناحية البراغماتية، وهو ضرورة قد يضحي بها البعض لإظهار النواحي الجمالية، وطبعا تلك النواحي تشترط دائما الرشاقة، والا أيُّ جمالٍ في سيقان وأوساط نسوة فاقت أوزانهن المائة كيلوغرام حيث تضيع الحدود بين الهن والأست والخصر والبطن والظهر والفخذ، ويصبح المجموع كتلة شحم لحمي كبيرة متهدلة لا تسر الناظرين ولا تثير شهوتهم؟
ويصعب على الإناث طبعا أن يعترفن بهذه المثلبة، ويتأخرن محاولات التمسك بمفاتن وهمية يظهرها اللباس الخيطي والسوتيان المقبب الصغير، فلا تظهر للرائي سوى كتل لحمية بشعة مقززة.
اختصر الرجال كل هذا، فباتوا يميلون إلى شعار غير ملتصق بأوساطهم الممتلئة، خاصة وأنّ أغلبهم ما عاد يُعنى بإخفاء شحومه ولحومه، مادامت معدات الغزيرة قادرة مغرية عاملة يدعمها اقتدار مالي تغض النسوة إزاءه الطرف عن كل عيب.
عودة إلى معرض الشعارات في لندن، حيث أثيرت أسئلة حول استمرار توجهات اظهار محاسن النسوة على حساب راحتهن، اذ لا أحد ينكر أنّ الشعار الخيطي والسوتيان المقبب غير مريحين ويسببان تعرق المناطق المنتجة فتصدر عنها روائح كريهة، كما أن التنقّل والعمل والحركة بهذه الشعارات يحدّ من حرية المرأة ويجعلها أسيرة الرغبة في اظهار انوثتها، وهو ما تعترض عليه كثير من النسوة، والى ذلك اشارت الخبيرة ايدوينا آيرمان في حديث مع صحيفة ذا نيويورك تايمز بالقول” نحن اليوم نعيش أوج نزوع النساء الى عرض مفاتن ومحاسن أجسادهن، ولكنّ فلسفتهن اختلفت كثيراً، فإظهار المحاسن لا يستهدف الرجال فحسب، بل هو موجه لإثارة اهتمام واعجاب الإناث ايضا وليس بالضرورة اعجابهن الجنسي، بل البدني عموماً، ولكن من غير المعلوم حتى متى سيستمر هذا النزوع”.
عمر الملابس الداخلية بشكلها المتضائل لا يتعدى قرنين، وقد طرأ عليها تطور طال حوافها القريبة من تكورات الجسم، فبدأت تنزع إلى تكميل المشهد باللون والنقش، والتقلص والانتفاخ والتحدب والتقعر. الشعار الملامس لمنطقة المرأة الوسطى يخاطب ذكورة الرجل مباشرة، فالأنثى حين تنزع الشعار تبدو أقل اثارة، ولا تظهر بوضوح معالم رشاقتها (إن وجدت)، الشعار بذاته صانع الرشاقة، ولونه فاعل ومؤثر إلى حد كبير، فحين يكون أحمر على جسد حنطي تبلغ الاثارة مستوى عالٍ من التوتر، لكن الغربيين يفضلون الأصفر الصيني على الجسد الخمري، أما الأبيض فيليق به دائما شعار أسود معتم.
أحلى لحظات شعار المرأة، رفيعاً خيطياً كان أم فسيحا يلم الاليتين وما بينهما هي لحظات يتذوقها الرجل، فالنسوة غالباً يفضلن أن ينزعه الرجل، والرجال أنفسهم يريدون أن يظهر استسلام الأنثى ورضوخها في لحظة ينضون عنها ما يستر كنزها، وهكذا قد يتفننون في ملامسة حواف الشعار الرقيقة الملتصقة بحواف الجسد وتكوراته، متأنين في انتزاعه ومستكشفين بأناملهم ما وراء تحلك الحواف مع الاحتفاظ بالأسود أو الأحمر أو الأصفر الصيني ملبوساً لصق المحاسن الآسرة.
أما حراسة القبتين فهي ليست ترفاً كما توحي الحجوم المتضائلة لحمالات الصدر الحديثة (شعارات النهدين)، فثدي الأنثى يدر حليباً إن كانت أماً، وتنز عنه روائح أنوثتها إن لم تكن أماً، وهكذا فإنّ ارتداء حمالة الصدر ضرورة تحافظ على نظافة المنطقة، كما أنّ الحلمتين والوردتين المحيطتين بهما حساستان لأيّ نوع من الملابس، وحمالات الصدر- لاسيما الأنواع الغالية منها- التي تحتوي على أنسجة رقيقة تحفظ التلامس مع تلك المنطقة.
الرجال عموماً شرقاً وغرباً يرون في شعار المرأة لحظة تسبق لحظة اللذة والنشوة المقبلة، وهي لحظة ترقب قد تكون أجمل من لحظة التلامس الجسدي بين النوعين.
ملهم الملائكة/ فصل من كتاب اللذة القريبة من الحب
0 تعليق