كثيرون لا يرون فرقاً بين لفظ يزيدي الذي درج على تداوله الناس، وبين لفظ أيزيدي الجديد الذي شاع منذ 3 عقود واتسع استخدامه بعد التغيير الزلزالي العراقي في نيسان 2003. وكان لي مع الأيزيدية لقاءات وأسئلة بعضها في أقدس أماكنهم وتفاصيل أخرى في هذه القصة.
خريف عام 2013 كنت في أرض الأيزيدية، زرت “لالش” معبدهم المقدس بمحافظة دهوك بكردستان العراق، ورأيت مزارع الزيتون التي تحف به وطقوس جنيه، وتعرفت على كاهنة تحرس مدخل العين، وطاف بي ونحن حفاة دليل مثقف من الأيزيدية في أرجاء المكان شارحاً لي كل شيء، فمررت على الحية السوداء التي تحرس بوابة المعبد، ومررت بشجرة الجوز العملاقة التي يقدرون عمرها بمئات السنين، وطفت بحجرات وأروقة المعبد، ورأيت المؤمنين يتمسحون بقطع القماش الملون المبثوثة في أرجائه، وعرفت لأول مرة أنّ الشيخ عدي بن مسافر هو من أطلق هذه الديانة، ولكنّ هذا الأمر غير أكيد ولا نهائي ولم يُحسم.
وبعد زيارتي لمعبد لالش زرت مجمع شاريا، وهو تجمع أيزيدي كبير أقامه لهم صدام حسين مع الأنفال وما تلاها في منطقة تابعة لمحافظة دهوك، فباتوا مجتمعين في مكان حديث واحد. لكنّ البعض يشتمون المخيم ويرون فيه مستعمرة للعزل، إسوة بمجمع العروبة الكردي سيء الصيت الذي انشأه علي حسن المجيد جنوب السليمانية ونقل اليه سكان القرى المؤنفلة، فيما يرى فيه آخرون خلاصاً أنقذهم من الاختلاط بغيرهم من ملل كفّرتهم وقتلتهم ومسخت هويتهم.
هم يتحدثون عن 70 فرمان قتلٍ وتهجيرٍ صدرت بحقهم من مختلف الدول والملل في محيطهم الذي طالما ظلمهم، والفرمان الذي يحمل الرقم سبعين هو الذي جاء به تنظيم داعش “الدولة الإسلامية” عام 2014. وبقيت أسئلتي التي أطلقتها بوجه كلِّ من قابلتهم من شيوخ وبيران ورجال وقادة ومفكرين وساسة من أبناء الطائفة حائرة تتعلق بإجابات متناقضة.
أحسن من كتب في شؤون الأيزيدية الخبير الحقوقي القاضي زهير كاظم عبود، وقد أهداني نسخة من موسوعته القيمة “التنقيب في التاريخ الأيزيدي القديم”، وفي كل مؤلفاته يستخدم القاضي العراقي الكفوء تسمية “أيزيدي” لوصفهم، ما يرجّح أنّ هذه التسمية هي الأصح.
أما المثقفة الأيزيدية المعروفة عالية بايزيد اسماعيل، وهي سليلة بيت الإمارة الإيزيدية فعلاً، فترجّح في مقال مفصّل نشرته بموقع الحوار المتمدن في 10.06.2008 أنّ “يزيدية” هو وصف الطائفة باللغة العربية، و”أيزيدية” هو وصف الطائفة باللغة الكردية، وكلاهما صحيح، لكنّها تفضل التمسك بوصف “يزيدي” الذي عُرفوا به تاريخياً منذ زمن غير معلوم. وبهذا التفصيل تقول:
“بالنسبة لمفردة (اليزيدية) فقد ظهرت بعد الشيخ عدي بفترة طويلة وقد وردت في معجم الشهرستاني وبعض المؤرخين والرحالة أمثال البدليسي وأوليا ألجلبي … أما مفردة (الايزيدية) فلم تظهر إلا مؤخراً، هذا إذا استثنينا أنّ مفردة اليزيدي تلفظ ايزيدي بالكردية .
أما القول بان مفردة (الايزيدية) كانت تطلق على أتباع هذه الديانة حتى قبل ظهور الشيخ عدي فهذا ما لم يثبته التاريخ ولا دليل علمي أو تاريخي على ذلك، فلم يرد اسم الأيزيدية في أي مصدر تاريخي قبل الشيخ عدي، نعم أن المريدين والأبيار كانوا موجودين قبل مجيء الشيخ عدي، لكنهم كانوا تحت مسميات أخرى من مجوس وزرادشتيين ومثرائيين ومانويين، لكنهم لم يكونوا ايزيديين”.
وتمضي السيدة عالية في تأكيدها على اًنّ الكلمة الأصح هي “يزيدية” وتُرجّح أنّ الوصف التاريخي للطائفة هو “العدويون” وبهذا الخصوص تقول” لم أعثر على أي مصدر تاريخي يؤكد أن هناك مجموعة بشرية كانت تسمى بالأيزيدية قبل الشيخ عدي، وحتى خلال فترة وجود الشيخ عدي لم يتسمى أتباعه باليزيدية، إنما هذه التسمية جاءت متأخرة بعد وفاته بفترة طويلة ـ على الأغلب بعد ظهور الدولة العثمانية الشديدة التعصب للإسلام ـ بل كانوا يسمون بالعدويين، وهذه الفترة من التاريخ يشوبها الكثير من الغموض والإرباك، حتى ضاعت الأخبار الصحيحة وفتحت أبواب التأويلات والاجتهادات المتناقضة”.
وتفتح السيدة عالية بايزيد إسماعيل كوة للأسئلة حين تُرجع نسب الطائفة إلى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان “أما لماذا ألصقت تسمية (اليزيدية) على أتباع الشيخ عدي، فالسبب هو أن الشيخ عدي كان يمجّد معاوية بن أبي سفيان وكان يصفه بالخال، وهذا ما لن يرضي المتعصبون لآل البيت. هذا من جهة ومن جهة أخرى كان يطلق لفظة (يزيدي) على كل من يرفض الدخول في الإسلام من غير الديانات السماوية للتكفير بهم”. وما لم تقله السيدة هنا، هو (لماذا يُطلق لفظ يزيدي على كل من يرفض الدخول إلى الاسلام) اذا كان النسب إلى يزيد بن معاوية بن ابي سفيان، نجل الخليفة الأموي الأول وقد كان نفسه رسمياً مسلماً لا غبار عليه !؟
أما أنا فأتمسك بما همس لي به عارفٌ مطّلع على شؤون الطائفة وهو من أعيانها وساستها ( لكنه يرفض أن افصح عن اسمه لأسباب تتعلق بخصوصياته) حين كشف لي ظهيرة يوم خريفي في دهوك بكردستان العراق عن التفاصيل التالية:
“تسمية يزيدي هي فعلا تسمية عربية، والذي كرّس هذه التسمية هو صدام حسين الذي قرب جناحاً من الايزيدية ومنحهم الإمارة، وصنع منهم ضباطا في الجيش بعضهم جنرالات، وهكذا فقد نسبهم إلى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وإذا كانوا فعلا منتسبين لهذا البيت فكيف باتت لغتهم القومية هي الكردية؟ هل كان يزيد بن معاوية كردياً أغفله التاريخ؟
كان القصد من هذا النسب هو سلخهم عن الأكراد واضافتهم للمكون العربي في المنطقة المتنازع عليها “كردستان”، وهكذا بوسعنا القول إنّ تسمية يزيدية هي جزء من مشروع صدام لتعريب مناطق في كردستان”.
ومضى المطلع على الشأن الأيزيدي إلى القول” لكن للأمانة التاريخية، فقد وعيتُ وأجدادي منذ عقود على أن أسمنا هو أيزيدية ويسمينا العرب يزيدية، وهذا قبل أن يظهر صدام بعقود طويلة”.
وفي اتصال هاتفي مع رئيس مؤسسة الأيزيديين في هولندا حسو هورمي نفى الكاتب والخبير في شؤون الطائفة أن يكون الأيزيدية عرباً مؤكداً أنّ التسمية الصحيحة تاريخياً هي “أيزيدية” ونفى بقوة نسبهم إلى يزيد بن معاوية معتبرا “إذا كان الأيزيدية ينتسبون إلى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فهذا يعني أنهم تاريخيا قريشيون عرب، لأنّ آل سفيان كان بيتاً عربياً معروفاً بمكة وسط قريش، والأيزيدية ليسوا عرباً قط”.
أعرف أني بهذه الخلاصة لم أحسم الجواب بشأن التسمية الأصح، لكني عرضت وجهات النظر، وأنا شخصيا أرجّح أنّ الصحيح هي التسمية المتأخرة التي ظهرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة وهي “أيزيدية”، وفي النهاية قد يخلص المراقب إلى أن الأيزيدية ديانة وقومية كما حال اليهودية، وهذا رأي ثالث يحتم وجود لغة خاصة بهم.
ملهم الملائكة/ بون- ألمانيا
0 تعليق