الحب السياسي هو أن يتبنى العاشقان موقفاً، فهما مع اليسار عموماً، أو كأنهما مع اليمين غالباً، وقد يتفقان على تسمية الحرب على العراق في عام 2003 أو يتفقان ويصران على وصف عمليات “تحرير العراق”. اليساري قد يحبُ على وقع أناشيد فيكتور جارا وأشعار نيرودا وعشب وايتمان ولافتات أنجيلا ديفيس وقصائد محمود درويش العاشقة، أمّا اليميني فيذهب للحب آمناً مطمئناً متسلحاً بتراتيل المعابد، وشموع الأعياد وحناء التروي وصلوات التراويح وقصائد قيس بن الملوح ووصايا الكتب المقدسة في الديانات.
وقد تغيب عن هذين العشقين تواصيف سياسية أخرى. ماذا عن موقف العاشقين من المكونات الصغرى في العالم وفي العراق؟ ماذا عن موقف العاشقين من هجرة المسيحيين، ومحنة الأيزيدية التي صنعتها فظائع داعش؟ ماذا عن التخندق الطائفي، سني عاشق، أم شيعي عاشق، أم خارج هذا الوصف؟ ماذا عن الحشد الكلداني، ماذا عن الحشد التركماني، والحشد الشبكي، وسياسات التغيير الديموغرافي في وادي سهل نينوى؟ كيف يتعامل معها العاشقان، فهذا لا ينضوي تحت تصنيف يسار – يمين؟
*العشق اليساري مغامرة لا تنتهي، وتحديات وصراع محموم مع النفس ومع الآخرين، قد يبدأ من البيت ويساير العاشقَين في المجتمع والعمل والجامعة ويلازمهما بلا هوادة حتى يبرحا الحدود. فيهاجرُ أغلبهم بلا أمل في عودةٍ قريبة، ويموتون لتحرق جثامينهم ويحفظ رمادها لدى من تبقى من شهود على الحب المجنون.
*في الحب اليساري، لا يطلب أحد الطرفين ضمانات مالية تقيّد الآخر، ولا ضمانات عائلية، بل يكتفي بضمانات القلب، وهي تقود غالباً إلى حب جارف، لكنّ المشكلة هنا أنّ الحب الجارف، كالسيل، سرعان ما يذهب مخلفا وراءه زبداً وحطبا يشوّه صفاء رمل الشطآن.
*في العشق اليساري، يمرح العاشقان بلا حدود في عالم الحرية، حرية الغناء بصوت أو بصمت، حرية العري، عُري القلوب وعُري المحاسن وعُري الجسد، وعُري العقول، فلا نخفي عن بعضنا مخاوف إعلانٍ سياسي، كما كان الرجل يخاف امرأته في عصر صدام وعصر ناصر وعصر الأسدين وعصور الدول الشمولية.
*العاشقة اليسارية لا تخشى أن تقول لمحبوبها، أنّها أحبت غيره قبله، وخرجت معه، وسهرت معه، وكل ما يتبع ذلك من سياحة في مسارح الظنون، لكّنها تحرص أن لا تكذب عليه، وله أن يقرر بعد ذلك ما عساه فاعل معها، فهي ليست ابنة القبيلة المحجور عليها بحزام عفة معدني وحراس مسلحون يمنعون عنها الذكور، وهذا هو أقسى اختبار لحقيقية تياسره.
*في الحب اليساري لا حدود بين شرائع السماء، فمحمود درويش العاشق الفلسطيني اليساري أحب ريتا، وبعد عقود عرفنا أن ريتا يهودية إسرائيلية، والبندقية التي كانت تفصل بينهما، لم تكن بندقية الكفاح المسلح الفلسطيني كما ظن ملايين الشبان العرب، بل كانت رمز الحدود التي تحرسها بنادق الخلاف بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين.
*الحب اليساري بلا وطن، وثّابٌ يبحث عن بيت خارج حدود المكان، فالحدود تعني أوطان، والأوطان تعني قبائل وشعوب وأديان لذا يرفض الحب اليساري كل وطن، الحب اليساري، حب الغابة، طفل تعلق بالحقيقة كما هيّ لا كما ترسمها المعابد وكتب تاريخ المنتصرين.
*العشق اليساري، غناء لا نهاية له، كل صباح مع فيروز، وكل مساء مع وردة، وكل ظهيرة مع الغزالي، وفي رمضان يسمع العاشقان عبد الباسط وهو يرتل سورة يوسف (وقد حرّمها بعض الفقهاء على النساء لأنّ فيها إثارة قد تحرك غوايتهن). ويعود العاشقان بعد الغناء والترتيل الى غابة الحب لا يودان أن يبرحاها.
*الحب اليساري قد لا يكون مكلفاً، فأغلب مهورهن لم تتجاوز ديناراً واحداً، أو جنيهاً في زمن قوة الجنيه المصري أو ليرتين سوريتين او لبنانيتين. ماذا عن الريال السعودي، هل كن اليساريات السعوديات يتنازلن عن مهورهن ليقترن بعشاقهن اليساريين؟).
*العاشق اليساري معرّضٌ لأصعب التحديات في كل لحظة، فقد تنزع السلطة الغاشمة عنه حبيبته، وتلقي بها الى السجن فيتناوب على اغتصابها أرذل الرجال، ويصورون ذلك ويرسلون الفيديو له، علّه ينهي قصة حبهما اليسارية التي تُغضب الحاكمين. والتحدي كل التحدي في أن يبقى يحبها، ويطير بها الى المهاجر بحثاً عن أرضٍ لا أراذل فيها ولا أوباش.
أما الحبُ اليميني، فهو كل ما جاء عكس ذلك، وهذا ليس انتقاصاً بل تفاوتٍ تفرضه الظروف.
ملهم الملائكة
0 تعليق