تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

الأثرياء لا وطن لهم

سبتمبر 18, 2021 | 0 تعليقات

المليارديرات في العالم يغيرون قواعد اللعبة، إنهم ينشرون بنى تحتية لألعاب دولية عبر العالم، ويؤسسون بنى تحتية عملاقة لتحقيق الأمن الوقائي والصحي ولنشر الثقافة الصحية، ويمولون أغلب مشاريع اليونسكو في الحفاظ على الميراث التاريخي المرموق للبشرية، ويقيمون مراكز أبحاث تكلف مليارات الدولارات للوصول إلى حلول لمشكلات البشرية مع الأوبئة والفيروسات المدمرة. الملياردير بات شخصية رحيمة تساهم بقوة الحكومات والدول في تحقيق رفاه وسلامة وأمن البشرية.

الملياردير اليوم لا يستغل قوة عمل الأفراد والمجموعات، بل يجلس خارج الكوكب، ويتحرك ماله بحيوية خرافية. كل مائة مليون دولار، تحقق خلال سنة 10 ملايين دولار أرباح في سوق الأسهم. فتخيل من كانت ثروته 130 مليار دولار كم تحقق أرباحاً دون أن يحرك حتى عينه!

ولكن هذا لابد أن يحيلنا إلى المليونير، وهو ثري متواضع بهذا القياس، من يملك 900 مليون دولار، هو ثري متواضع! وبالمناسبة فإنّ اوبرا وينفري، وكيم كارداشيان تقفان في صف المليارديرات اليوم، فكل منهما تقترب من تحقيق مليارها الثاني.

المليونير يسهم في مشاريع محلية عبر تبرعات سخية، لكنه لا يستطيع أن يغير البنى التحتية إسوة بالملياردير. وهذا سيجرني بسرعة الى أصحاب الملايين العرب. وهم في الحقيقة أشخاص قد يلتقيهم المرء أحياناً في طائرة أو في مؤتمر دولي أو في فندق، أما المليارديرات فلهم عالمهم الذي يسمو فوق كل البشرية.

 في تعريف “المليونير”، هو أوهي، شخص غامض، قوي، متسلط، فوق القانون، فوق السياسة، فوق الرسمي، عابر للعلاقات الاجتماعية، فوق التحصيل الأكاديمي، بعيد عن المخاوف المعتادة، غير يومي، ولا تشكل قواعد مسموحاتنا وممنوعاتنا وآدابنا وتربيتنا عنده أي معنى.

مليونير سني

ولم يكن هذا الوصف بعيداً عن الطبيب العراقي الذي عاش في أوروبا 40 عاما، ويمتلك اليوم مشفى خاصاً به في أغنى بلد أوروبي وآخر في القاهرة، وثالثاً في قبرص (خاص بالأثرياء العرب والروس)، ويدير هو وزوجته الطبيبة الفرنسية كل هذه المؤسسات.

بعد عام من معرفتي به، التقيته في مطعم عراقي في بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي رسمياً، وعاصمة العالم بامتياز. كنت أبحث عن مموّل لمشروع أكاديمية تتولى إعداد الإعلاميين للخروج بالعراق من بؤس الإعلام الذي ورثه عن عصور الدكتاتورية والاشتراكية القومية والحزب الواحد والقائد الضرورة. وكنت متفائلاً بعراق يبتعد عن كل الأمراض ويتجه لأن يكون دولة مثل ألمانيا أو اليابان بتحالفهما مع الولايات المتحدة الأمريكية التي دمرتهما  في الحرب العالمية الثانية. 

حين كشفت له على مائدة المشاوي العراقية الأصيلة عن رؤياي الحالمة في أكاديمية الإعلام وقناتها التلفزيونية وإذاعتها وصحيفتها، سألني وهو يبتسم ماضغاً طبقه الغني باللحوم، إن كان المشروع سنياً أم شيعياً أم كردياً؟

وبلعت استغرابي لما قال لأوضح له أنّ المشروع سيكون عابراً لهذه التقسيمات وسيتخذ من أربيل (الآمنة ذات البنية التحتية الجيدة) مقراً له، ضحك وقال:” بالنسبة لي سيكون مشروعاً كردياً إذا، وفي الغالب لن يستفيد منه أهل السنة في العراق”.

بعد أخذ وجر، ختم الطبيب العراقي الستيني بثروته التي تتجاوز 50 مليون دولار الحوار غير المتكافئ بالقول:” الحقيقة ليس عندي أموال سائلة جاهزة لمشروع يتطلب ما لا يقل عن 2 مليون دولار، وأعتقد أنّ الجدوى منه ستكون معدومة، فالإعلام لا يعود بمردود على المستثمرين فيه “.

مليونير كردي

ظننت قبل لقائي الأول به، أنّه من الكرد الذين أثروا خلال العهد السابق، وأغلبهم من أمراء أفواج الدفاع الوطني سيئة الصيت. لكن الظن الآثم تبدد في القصر المنيف المهيب بأناقته ذات الخمسين ألف متر مربع والمطل على أجمل بقاع العالم، حيث مثُل أمامي رجلٌ يقارب السبعين، لم يزر العراق منذ غادره بلا رجعة عام 1965 ولا يعرف تقريباً عنه شيئا. كان ودوداً، يتنقل بلباقة بين ست لغات يتحدث بها بيسر راوياً المُزح والطرائف بكل تلك اللغات وترجماتها بلا توقف.

بعد ستة أشهر من معرفتي به أردت أن أتعكّز على “صديقي” المليونير الكردي الذي لا يُبدي أيّ اهتمام بمكونات ومعتقدات العراق سوى بكونه عراقياً، فسألته أن يدعم مشروعا أطلقه طبيب يعالج مرضى جنوب العراق بجلبهم إلى ألمانيا وعلاجهم وإعادتهم.

 سألني أيّ نوع من الدعم أنتظر منه؟ فقلت له أنّ هذا الطبيب يريد أن ينشئ مشفى لعلاج الأطفال بكوادر أوروبية وبأجور شبه مجانية في جنوب العراق بدلاً عن جلب الأطفال الى ألمانيا لعلاجهم.

نظر الي وهو يلتهم حبات التمر العملاقة التي تصل له خصيصاً من مورّد سعودي، وقال:” يا صديقي قد أدخل في مثل هذا المشروع إذا ضمنتَ أنت لي أنّ الميليشات الشيعية لن تفرض خاواتها على طاقم المشفى، وإذا ضمنت أنّ الفساد الاداري لن يفرض عليّ دفع رشاوى تعادل ضعفي أجور العمل، وإذا ضمنت أنّ المشفى سيكون لكل العراقيين، وليس لأبناء من هم في السلطة وخواصهم، واذا ضمنت أنّ الأجور ستكون حقاً مجانية، وإذا ضمنّت لي أخيراً أنّ الوساطات لن تقرر دخول المرضى وعلاجهم”.

ثم اتكأ على مقعده الوثير، ونظر إليّ ضاحكاً، وهو يقول” اذهب وهات لي كل هذه الضمانات وسأضع تحت تصرفك 20 مليون دولار تنفذ بها مشروعك”.

ولما عجزت “طبعا” عن المجيء بالضمانات، لم أجرؤ بعدها أن أساله الدعم لهذا المشروع أو لغيره.

مليونير شيعي

الميلونير العراقي (فلان الفلاني) المقيم في لندن وصاحب مؤسسة (…) الخيرية أراد التعرف عليّ، فالتقينا في مطعم أنيق بضاحية في جنوب لندن، وعرفت أنه ابن مليونير عراقي شيعي معروف ضايقه البعثيون حين وصولهم إلى السلطة عام 1968 فهرب وأسرته ببعض أموالهم الى لبنان فأوروبا حيث ولد مضيفي متنقلاً بين البلدان، ويريد اليوم أن يخدم بلده، الذي لم يره، بجزء من ثروته وفاء له.

انتابني الفرح وأنا اشاهد عراقياً لم يعرف الوطن عن كثب إلا أنه يحنو عليه، ويريد أن يفعل شيئا لأجله، ثم استمعت اليه وهو يروي لي مشروعه لإنشاء محطة تربوية تلفزيونية ترتقي بالجيل الجديد إلى مفاهيم جديدة تبتعد بهم عن قيم الحزبية والطائفية والعرقية. ومضى يقول بحماس” هو مشروع يشبه مشاريع القنوات التربوية الأوروبية، ولكنه معدّل بما يناسب الوضع العراقي وخصوصياته “، ثم وصلنا في نهاية لقائنا إلى التفاصيل الشيطانية حسب تعبيره، فقال لي” أريد أن تكون المحطة في الكوفة أو النجف، وأريد أن يبدأ العمل فيها في أول محرّم المقبل تيمناً بالعام الهجري الجديد، أي بعد عام تقريباً من لقائنا هذا”.

وسألته مذهولاً: لماذا في النجف، ولماذا في أول محرّم؟

” لكي نكون أقرب إلى بيئة الجيل الجديد، ونقوده دائماً للسير على طريق الهداية، أما محرّم فلأنه شهد مصارع سيد الشهداء وآل بيته، وسنجعله مشروعاً يكرس حب آل البيت في نفوس الناشئة”.

تجرعت خيبتي الساحقة بكأس من ماء الشوندر المعطّر بالزعفران، ولكني قررت أن أمضي في الحوار إلى نهاية منطقية، فسألته عن المبلغ الذي رصده لإطلاق المشروع، ولإدامته، وحين أعلن لي مفتخرا أنه رصد 300 ألف دولار كبداية، أدركت انه يحلق في سماء الفساد، لأنّ مشروعاً من هذا النوع لابد أن يبدأ بما لا يقل عن 10 ملايين دور، وتعطلت لغة الكلام فالرجل لا يدري عمّ يتحدث.

مليونير خائن!

انتهى الحوار مع المليونير الشيعي إلى لا شيء. في رحلة العودة من لندن شاءت مصادفة مضحكة مبكية أن تضع في يدي على متن الطائرة صحيفة الشرق الأوسط (بلونها الذي يستمد خُضرته من العلم السعودي) وقد نشرت في عددها المرقم 11368 الصادر في 12 كانون ثاني/ يناير 2010 مقالاً عن المليونير اليهودي العراقي المقيم في لندن نعيم دنكور، والذي منح 3 ملايين باوند استرليني (5 ملايين دولار) لزمالات دراسية لطلاب العراق الفقراء، متناسياً أنّ العراق لم يبق فيه يهود، وجاهلاً (أو متجاهلاً) أنّ فقراء العراق لا يصلهم أي شيء من الصدقات إلا أيام الانتخابات.

خلاصة القول: مليونيرات العراق لا ينتمون إلى هذا البلد إلا بطعامهم ولهجاتهم، وتذهب خيراتهم الى بلدان المهجر أو للأوطان البديلة. ألم نقل بدءا أنّ المليونير هو شخص عابر لكل شيء، وهو عابر حتى للأوطان؟

ملهم الملائكة

تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

مقالات ذات صلة

حكايات ساخرة بلا مناسبة

حكايات ساخرة بلا مناسبة

يصف الكاتب محمد حسين صبيح كبة برنامجاً روسياً افتراضياً عن لقاءات مع الناس ومع مهندسي نفط روس حول برج للنفط مائل الطباع بناه العراقيون، ويمضي ليصف أشياء أخرى غير ذات صلة بالنفط وابراجه. الحكاية بدأ الأمر بشكل لطيف وبدم خفيف. كان الأمر على شكل كاريكاتير في كتاب عن...

قراءة المزيد
كتابات ومفارقات

كتابات ومفارقات

يرى محمد حسين صبيح كبة أن فكرة التحول مما بين بشري وحيواني ونباتي وجمادي هي فكرة رهيبة راودت بعض العلماء مثل ذلك مثل محاولات العرب والمسلمين أمر محاولاتهم في الكيمياء وفي غير الكيمياء مثلا أمر إكسير الحياة ومثلا أمر تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب. الفكرة ممكنة...

قراءة المزيد
من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم

من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم

كتابات ساخرة من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم. يروي محمد حسين صبيح كبة طرفة تفيد أنّ خطيباً في أحد المساجد هبط من المنبر بعد خطبته وهو يرتجف من الخوف بعد أن أحاط المصلون به من كل جانب، ثم قالوا له بكل وضوح: قولك وخطبتك أن موقعة بدر كانت بالدبابات والقنابل...

قراءة المزيد

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *