تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

إبراهيم الخليل وسلالته رسل السماء ج2

أبريل 4, 2022 | 0 تعليقات

بعد أن عرضنا بعض معجزات إبراهيم الملقب بالخليل في مقالنا السابق، نشير هنا إلى معجزة أخرى متفق عليها في النصوص التوراتية والقرآنية، فأمامنا قصة النمرود ولقاؤه بإبراهيم، ولا نعرف هنا لو تأملنا النص القرآني، إن كان اللقاء قد تم فعلاً أم أنه لقاء افتراضي، فقد نقل ابن كثير الله عن مجاهد “قيل: إنّه قد ملك الدنيا أربعة، مؤمنان وكافران مشارق الأرض ومغاربها، فالمؤمنان: سليمان بن داود، وذو القرنين، والكافران: نمرود، وبختنصر، والله أعلم”.  وهذا النص هو الآخر افتراضي وليس قطعياً، ولكن لندع الخلاف حول وقوع اللقاء جانباً ونذهب إلى النص القرآني:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (البقرة: 258).

فقد قال إبراهيم عندما سأله النمرود من ربّك: “رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ”،

 وهذه كانت الحجة الأولى التي أقامها على النمرود، فقال النمرود: وأنا أحيي وأميت فأتى بسجينين من عنده فأطلق سراح أحدهما وأبقى على الآخر وقتله، فعلم إبراهيم أنَّ القلب الذي اعتاد الضلال لن يقبل النور.

وهكذا طرح إبراهيم حجته الثانية وقال: “فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”.

ويذهب د. بهاء الدين سعيد في نفس المقال مار الذكر إلى أنّ هذا تحدٍّ صريح من إبراهيم بهت له النمرود، ولكنَّه لم يؤمن، فهو قد اعتاد على أن يتجبّر في الأرض من دون أن يردعه أحد.

المعجزة الأخرى، هي التكليف الرباني لإبراهيم، وهو تكليف جاءه في الحلم، ولا ندري كيف صدّق الرؤيا، لكنّ النص في سورة الصافات جاء فيه:

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ قَالَ يَٰبُنَىَّ إِنِّىٓ أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنِّىٓ أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ

ولا ننسى هنا، أن الكلام يدور حول إسماعيل، اشمائيل الذي منحه الله لإبراهيم بعد حرمان استغرق منه ومن امرأته زمناً طويلاً وبعد أن شاخ ورق عظمه، وشبَّ إسماعيل – وصار باراً بأبيه يعينه على أعباء الحياة، وإبراهيم لا يحب أحدًا في الدنيا مثل إسماعيل، وفي ليلة رأى إبراهيم في منامه أنّ الرب يريده أن يضحي بقرة عينه التي انتظرها طويلاً، فسلم إبراهيم وإسماعيل أمرهما إلى الله، وحمله إبراهيم وجعل وجهه منكبًا على الأرض، واستعد للذبح ووضع السكين على رقبته، وجاء مناد من السماء فقال له: “يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا”. وبذلك فدى الله إسماعيل بكبش من الجنة.

المعجزة الأخرى فكرتها قائمة على إحياء الموتى:

“وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (البقرة:260).

ويروي الضحاك وقتادة وعطاء وغيرهم أنَّ إبراهيم رأى في أحد الأيام فطيساً على الشاطئ، فإذا كان مد البحر أكلت منها دوابه، وإذا كان جزر البحر أكلت منها السباع والطيور، فلمَّا رآها إبراهيم قال ربي إني أعلم أنك تجمعها من بطون الحيوانات ولكن كيف تحييها، وسؤال إبراهيم لربه لم يكن من باب التشكيك في قدراته بل لأجل زيادة اليقين فأمره الله أن يأخذ طاووساً وديكاً وحمامة وغراباً، ثمّ أمره أن يذبحها ويقطعها ويخلط لحمها بعضه ببعض، ثم أمره أن يضع على كل جبل من الجبال الأربعة التي حوله قطعةً من اللحم، ثم أمره أن يناديهم بأسمائهم فعندها ستسعى إليه الطيور طائرة أو ماشية، وكل حسب حالته، وبذلك يكون كلّ ما قد حدث هو بأمر الله وقدرته.

ولابد للباحث أن يتوقف قليلاً عند الآية 259 من سورة البقرة التي سبقت هذه الآية:

“أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ۖ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”

فهي تسلط الضوء على مساحة الشك في معاجز الرب، التي استوقفت حتى أنبياء تلكم العصور السحيقة، فهم غالباً يسائلون الرب عن مستوى قدراته، ولم يكن إبراهيم استثناء أو خروجا عن حيرة الأنبياء وبحور أسئلتهم.

ومن بين المعاجز، نزول الملائكة وحلولها ضيفاً في بيت إبراهيم، وهنا تباينت حتى الآيات في سرد تلكم القصص ففي سورة الحجر:
“وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي على أَن مَّسَّنِيَ الكبر فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بالحق فَلاَ تَكُن مِّنَ القانطين * قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضآلون”

والاعجاز هنا هو بشارة انه سيحظى بولد بعد عمر طويل، رغم أن سارا ليست امرأته، ولم تتطرق الآيات إلى جاريته هاجر، ولعل الاعجاز مركب هنا في حضور الملائكة ضيوفاً ببيته، وبشارة الولد الوريث إسماعيل. ويلاحظ في آخر الآيات خروج عن قواعد المستثنى بالا، فهو في العادة منصوب، لكنه جاء هنا مرفوعاً باعتباره فاعلاً مؤخراً عن فعل القنوط، وبذلك تكون (إلا) مكفوفة عن العمل بمعنى أنّها لم تنصب المستثنى منه على المفعولية. وقد يكون هذا الخروج عن القاعدة مقصوداً هنا لسبب غير واضح.

أما الآيات التي وردت في سورة الذاريات فتسرد حكاية تبقى الحكمة منها غامضة، فهو يطلب من امرأته أن تعد للملائكة عجلاً سميناً، وهكذا كان، لكنهم لم يأكلوا بل بشروه بغلام عليم، فالملائكة لا يأكلون ولا تخرج عنهم فضلات ولا يعرقون. إنها معجزات الملائكة اذاً، ولكن لماذا تجشأت امرأته عناء ذبح وطبخ العجل، وهذا عمل شاق يستغرق وقتا طويلاً بإمكانات ذلك العصر، المختلف هذا المرة أنّ الحديث، كما هو مفهوم من سياق الآيات، يدور حول ابن سارا وهو نبي الله إسحاق:
“هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المكرمين * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * فَرَاغَ إلى أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الحكيم العليم”.

هذا التفاوت بين الحكايتين حسب الآيات بات من أسباب الخلاف بين اليهود والمسلمين، لأنّ إسماعيل جد العرب العاربة والمستعربة وإسحاق جد بني إسرائيل قد كانا أخوين، كما تدل عليه آيات الصافات حيث بشر الله إبراهيم بابنه الأكبر إسماعيل ثم بشره بإسحاق.

شرائع إبراهيم

إبراهيم الخليل هو من وضع شرعة الختان، فباتت رسماً دينياً ثابتاً عند اليهود والمسلمين، وهكذا فقد نشأ الختان كشرعة دينية لدى الحنيفية “ملة إبراهيم” وأشير إليه في التوراة كعهد بين الله وإبراهيم أبي الآباء منذ مطلع الألفية الثانية قبل الميلاد، وورد في العهد القديم قول الرب: “أقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك. لأكون إلهًا لك ولنسلك من بعدك. وأما أنت فتحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك، يُختن منكم كل ذكر، فتختنون في لحم غلتكم، فيكون علامة عهد بيني وبينكم. ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم. وليد البيت والمبتاع بفضة من كل ابن غريب ليس من نسلك. فيكون عهدي في لحمكم عهدًا أبديًّا. وأما الذكر الأغلف الذي لا يُختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها. إنه قد نكث عهدي”.

أما في الإسلام، فلم يرد في القرآن الكريم أيّ إشارة لختان الرجل، وحتى لدى الحديث عن إبراهيم، لم تظهر إشارة إلى ختانه أو ختان بنيه، لذا يؤكد أغلب المختصين بالتشريعات الإسلامية، انه ليس شرعة منصوص عليها، بل سنة موروثة يتداولها المسلمون، وهي سنة انتقلت إليهم من ديانة التوحيد الأولى اليهودية. وللمراقب أن يسأل، لماذا لم تنتقل شرعة الختان من اليهودية إلى المسيحية؟

وحسب موسوعة ويكبيديا فقد مارس المسيحيون الأوائل وهم من اليهود “النصارى” الختان كفريضة دينيّة، ومع توسع انتشار المسيحية بين شعوب غير يهودية اكتسب المهتدون الجدد قاعدة شعبية وأطلق عليهم لأول مرة مصطلح “مسيحيين”. لكن مشكلة كبيرة وقعت بين المسيحيين من أصل يهودي والمسيحيين من أصل غير يهودي حول الالتزام بشريعة موسى عمومًا والختان بنوع خاص، فعقد حينذاك المجمع المسيحي الأول في أورشليم حوالي عام 50 ميلادي وحسمت نتائجه بعدم إلزام الأمميين من غير اليهود المتحولين إلى المسيحية بالمحافظة على شريعة موسى، بما في ذلك القواعد المتعلقة بالختان.

وإبراهيم هو من أقام الكعبة وشرّع زيارتها في الحج الابراهيم:

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127 البقرة)

لكن لم ترد في القرآن آية واحدة بخصوص الحجر الأسود، ومن وضع في البيت الذي أرسى قواعده إبراهيم، بل كلما موجود مأخوذ عن رواية نقلها ابن عباس عن الرسول بقوله: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: “نزل الحجر الأسود وهو أشد بياضًا من اللبن فسودته خطايا بنى آدم” رواه الترمذى وحسنه، وفى رواية: “الحجر الأسود من الجنة” رواه النسائى”. وهذه الرواية على ما هي عليه، لا تكشف كيف وصل الحجر الأسود إبراهيم، وماذا فعل به. نحن إذا إزاء مقولات وروايات غير نهائية.

وإذا استرسلنا مع آيات سورة البقرة، فإن من يتبع ملة إبراهيم يمسي مسلماً، وعليه أن يلتزم بمناسك ديانة إبراهيم.

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128 البقرة)

لكن الإسلام بقي مشروطاً برسالة النبي محمد، وهكذا فإنه دين موروث من إبراهيم، لكنّ اليتيم محمد هو رسوله:

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129البقرة)

ثم يتوقف القارئ محتاراً أمام النص القرآني الغامض في سورة البقرة، فأيّ أمة هي تلك التي قد خلت؟:

أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (البقرة 134)

هل المقصود أن الحنيفية هي أمة قد خلت؟ اتباع إبراهيم ديانتهم الحنيفية، واتباع إسماعيل ديانتهم الإسلام، واتباع إسحاق ديانتهم اليهودية، فإين المسيحيون؟ وهل هم اتباع يعقوب الذي حضره الموت مطلع الآيات؟

ويبدو أنّ الجدل كان قائماً حول مرجعيات ديانات التوحيد الأخرى قبل ظهور الإسلام، لذا جاء في الذكر الحكيم:

“يا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ” آل عمران/65-68.

فهو يقول هنا إن إبراهيم كان حنيفاً مسلماً، وهذا يدل أن الحنيفية ديانة سبقت الإسلام، والإسلام جاء ينهج نهجها. اذاً وبهذا التفسير، يكون إبراهيم أول انبياء المسلمين، ومحمد خاتمهم.

وفي هذا السياق كتب عامر الحافي في مقال نشره على صفحة تعددية

“لم تقتصر مشكلة الاستحواذ على إبراهيم على الحالة اليهودية، وإنما شملت كل فئة تحصر الهداية والنجاة فيها. وهنا جاء انتقاد القرآن للاستئثار بإبراهيم مِن قِبل طوائف من أهل الكتاب، كما في قوله تعالى: “ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين” (آل عمران: 67)، فالآية نزلت في اختصام بعض اليهود والنصارى ومشركي العرب في إبراهيم، وادعاء كل فريق منهم أن إبراهيم لهم دون غيرهم. فالمقصود بالآية هو الخروج من الاحتكار العَقَدي لإبراهيم، وليس إعادة إنتاج شكل آخر من ذلك الاحتكار. “

من جانبه، ذهب الكاتب أحمد عثمان في مقال نشره عام 2000 بصحيفة الشرق الأوسط اللندنية إلى أنّ القرآن يتحدث عن الدين الاسلامي، باعتباره هو ذات ملة إبراهيم الحنيف. ورغم ما جاء في روايات المؤرخين المسلمين الأوائل من وجود جماعة من الحنيفيين في الجزيرة العربية قبل الإسلام، فقد رفض الباحثون الغربيون قبول هذه الروايات، مصرين على اعتبار الحنيفية صفة لا جماعة.

فقد أنكر فرانسوا ديه بلويس، في بحث قدمه في مؤتمر الدراسات الأثرية العربية الذي عقد في لندن ما بين 20 و22 من يوليو (تموز) عام 2021، أن يكون الحنيفيون جماعة دينية قبل الاسلام. وأصر الباحث البريطاني على أن الرواة المسلمين، هم الذين زعموا وجود طائفة الحنيفيين، لخطئهم في فهم دلالة كلمة “حنيف” التي وردت في القرآن. وبعدما استعرض فرانسوا الآيات القرآنية التي تحدثت عن الحنيفية، قدّم بعض الكلمات المشابهة التي وجدت في اللغات القديمة، والتي لها دلالات مختلفة. وأوضح الباحث أن كلمة “أحنف” في العربية تدل على شخص “أعرج” بينما تشير كلمة “حنبا” في اللغة السريانية على شخص وثني أو غير مسيحي. وفي العبرية كلمة “حانيف” تعني “منافق”، بينما يدل الفعل “حنف” على “التنجس”. ثم استند إلى كلمة “حنبا” السريانية التي استخدمت للدلالة على الأمم مقابل بني اسرائيل، ليستنتج أن هذا هو ذات المعنى المقصود في القرآن، أي أن تعبير “إبراهيم حنيفا” لا يعني ـ في رأيه ـ أنّه ينتمي إلى طائفة حنيفية، وإنما يعني أن “إبراهيم من الأمم” وليس من بني اسرائيل. انتهى النص الذي اقتطعته من مقال أحمد عثمان في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية.

المصادر

الموسوعة البريطانية

العهد القديم في نسخة كنغ جون

القرآن الكريم

مقالات متعددة حسب الإشارات في النص

*هذا هو الجزء الثاني من مقال حول ابراهيم، وهو فصل في كتاب “شيء عن الأديان”

تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

مقالات ذات صلة

حكايات ساخرة بلا مناسبة

حكايات ساخرة بلا مناسبة

يصف الكاتب محمد حسين صبيح كبة برنامجاً روسياً افتراضياً عن لقاءات مع الناس ومع مهندسي نفط روس حول برج للنفط مائل الطباع بناه العراقيون، ويمضي ليصف أشياء أخرى غير ذات صلة بالنفط وابراجه. الحكاية بدأ الأمر بشكل لطيف وبدم خفيف. كان الأمر على شكل كاريكاتير في كتاب عن...

قراءة المزيد
كتابات ومفارقات

كتابات ومفارقات

يرى محمد حسين صبيح كبة أن فكرة التحول مما بين بشري وحيواني ونباتي وجمادي هي فكرة رهيبة راودت بعض العلماء مثل ذلك مثل محاولات العرب والمسلمين أمر محاولاتهم في الكيمياء وفي غير الكيمياء مثلا أمر إكسير الحياة ومثلا أمر تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب. الفكرة ممكنة...

قراءة المزيد
من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم

من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم

كتابات ساخرة من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم. يروي محمد حسين صبيح كبة طرفة تفيد أنّ خطيباً في أحد المساجد هبط من المنبر بعد خطبته وهو يرتجف من الخوف بعد أن أحاط المصلون به من كل جانب، ثم قالوا له بكل وضوح: قولك وخطبتك أن موقعة بدر كانت بالدبابات والقنابل...

قراءة المزيد

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *