تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

أيها المتقاعدون عبر العالم اتحدوا!

سبتمبر 15, 2020 | 0 تعليقات

في بلدان العالم الأول، يتزايد باضطراد عدد المتقاعدين وكبار السن، رغم أن سن التقاعد في أوروبا والولايات المتحدة قد بات سبعة وستين عاماً، فلا يحصل أغلب المتقاعدين سوى على رواتب هزيلة لا تحمي كرامتهم في أرذل العمر. الحديث في ألمانيا اليوم عن مشروع لوضع حد أدنى للتقاعد يضمن الحياة الكريمة، وهو 1500 يورو، وقد مرر البوندستاغ قرار تحديد قعر الرواتب وما تبقى هو التشريعات.

فيما يفكر العالم في حلول جذرية لمشكلة تقاعد الناس، بات تقاعد البرلمانيين العراقيين نقطة سوداء تتحدى فقر المجتمع العراقي وتشريعات برلمانه التي تبتعد عن الشعب في كل شيء ولاسيما في سقف الرواتب.

رواتب البرلمانيين العراقيين خرافية!

النواب البرلمانيون عبر العالم لا يستحقون تقاعداً عن خدمتهم النيابية، بل يعودون إلى وظائفهم التي جاءوا منها، ويُتمون خدمتهم ثم يتقاعدون بموجبها، ولا تحتسب الفترة النيابية ضمن التقاعد نظراً لارتفاع رواتبهم خلالها.

كثيرون، يعتبرون التقاعد محطتهم الأخيرة، بل يرى البعض فيه أولى درجات سلم النزول إلى القبر. وربما كان الدخل المحدود غير القابل للنمو سبباً مباشراً في هذا الشعور، لكن العطالة المستمرة، وشعور المرء بأنه بات غير ذي نفع في المجتمع هي في الغالب الأسباب التي تقود إلى موت المتقاعدين الأحياء.

في آخر عام من القرن العشرين، ركنت السيدة (أم لبيب) إلى التقاعد ببغداد وهي في عمر التاسعة والخمسين. كان راتبها التقاعدي في أيام ” بطل الأمة القائد الضرورة” يساوي 3 دولارات في الشهر، بعد أن أمضت 37 عاما في تعليم الأجيال، لذا أضطرت أن تفتح دكاناً صغيراً في مدخل بيتها، تبيع منه لأحفاد تلاميذها جكليت وشامية وحامض حلو وعصائر وألعاب ملونة رخيصة.

ودأبت السيدة الكريمة أن تبلع مرارة الإمتهان بإنحطاط قدر المعلم، بالتسامي متحدثة عن رغبتها المستمرة بالعمل. ولكن هذا صدق على السيدة الستينية فعلاً وهي تزرع حديقة بيتها خيارا وبامياء وباذنجان وبرتقال، وورداً جميلا، لتخرج من كل ذلك وهي الأرملة (علاوة على دخل الدكانة) بما يعينها على تربية أحفادها وابنها الوحيد.  

تغير كل ذلك بعد 2003، وأغلقت أم لبيب دكانتها، وتفرغت لزراعة حديقتها الكبيرة بعد أن بات تقاعدها الشهري 300 دولار. لكن الزمن كان قد زحف على ظهرها، فباتت تتمدد على عشب الحديقة الندي، لتنشغل برفع عشبة زائدة هنا، وفتح مجرى صغير للماء هناك، وقطف خيارة من زاوية الحديقة. “أم لبيب ” لم تعد تقوى على الجلوس أو الوقوف، لكنها تعمل بإصرار وهي ممدة.  في عام 2013 عجزت ” أم لبيب” عن هذا العمل البطولي، فأدركت أنها قد بلغت سن التقاعد الحقيقي، وغادرت العالم غير آسفة بعد أن أمست بالفعل غير ذات فائدة.

حزننا وحزنهم

كل هذا الحزن إنهمر على ذاكرتي مثل مسامير ودبابيس تجرح الوعي حين التقيت بمجموعة متقاعدين ألمان، ضمّهم اجتماع منظمة” الثقافة تجمعنا” في مدينة بون بغرب ألمانيا. الدخل المحدود مشكلتهم المشتركة، فمستوى الدخل العام يرتفع، والضرائب تتصاعد، والأسعار ترتفع، لكن مداخيلهم ثابتة لا تريم، وهم بذلك يتراجعون في سلم الثراء الإجتماعي. لكن ذلك لم يكن هدفهم من الإنضمام الى منظمة ” الثقافة تجمعنا”، فهي في النهاية منظمة عمل تطوعي لا تملك أن تدفع أجوراً للعاملين فيها. هدفهم الحقيقة كان المحافظة على صلتهم بالجتمع، من خلال عمل ذي فائدة يقدمونه دون مقابل للجيل الجديد.

وهكذا يتولى كل واحد وواحدة من هؤلاء المتقاعدين النبلاء، تدريس ومساعدة تلميذ أو تلميذة في المدرسة، لتعلم دروسهم. كل ذلك يجري دون مقابل، ودون حتى انتظار لشكر من ذوي التلميذ، فهم يفعلون ذلك ليحافظوا على أنفسهم كجزء نافع في المجتمع. وهكذا أصبح لكلّ واحد من أبنائي معلم أو معلمة خصوصية تعينهم في دراستهم، وكل ذلك يجري في مكتبة المنطقة العامة التي أطلقت المبادرة بالتنسيق مع المدرسة لرفع مستوى تعليم التلاميذ ولتشغيل المتقاعدين.

لم أصدق بدءاً أنهم يفعلون ذلك بشكل مجاني مطلق، لكن فضولي الصحفي في البحث أوصلني إلى تفاصيل الحقيقة الفاجعة، فهم لا يأخذون سنتاً واحداً مقابل هذا الجهد الجبار، 14 ساعة عمل في الأسبوع دون مقابل.

تدني رواتب المتقاعدين مشكلة عالمية لا يعاني منها برلمانيو العراق

خبرات المتقاعدين قد تدر الأموال

فضولي الصحفي نفسه قادني إلى منظمة تضم المتقاعدين اسمها (أس.آ. أس) تتولى جدّولة خبراتهم ومحاولة نشرها في كل أنحاء العالم لخدمة المحتاجين. المنظمة غير ربحية، لكنّ دولاً كثيرة تدفع أموالاً ذات شان للخبرات المتقدمة القادمة من أرض الجرمان. فقد تعرّفتُ على ميكانيكي وكهربائي سيارات تقاعدا من مصانع فولكسفاغن العملاقة، وبعد سنوات تعاقدا للعمل في إحدى ورش تصليح فولكسفاغن في البرازيل لتدريب كوادر تصليح محلية بأجر معقول، وهما يقضيان اليوم شهوراً طوالاً في تلك الدولة البعيدة وكلهما سعادة في أنهما باتا فردين نافعين، كما أن البرازيل نجحت بهما وبغيرهما في توظيف كوادر وسطى ألمانية لتطوير صناعة السيارات فيها بأجور زهيدة.

آخر إبداعات المتقاعدين، داهمتني هذا الأسبوع، حين زارت بيتي سيدة تبلغ السبعين من العمر، تتولى تعريف الأطفال في عطلة نهاية الاسبوع بمعالم التاريخ الألماني من خلال قراءات في كتب التاريخ وزيارات ترافقهم فيها لمتاحف مدينة بون العشرة. كل هذا يجري مجاناً، لتتسلى به السيدة الوقورة النبيلة، ولتجني بعض حب قد يدفئ أيامها الباردة بعد وفاة شريك عمرها. السيدة الألمانية – الروسية “آنه ماري ” تتقاضى راتباً تقاعدياً قدره 700 دولار في الشهر.

بدأنا حديثنا بتقاعد البرلمانيين العراقيين، ولابد بعد هذه السياحة في تجارب الشعوب، أن نشير على أجهزتنا ومنظمات المجتمع المدني (النشيطة منها وغير التابعة وغير الفاسدة حصراً) بتوظيف كفاءات البرلمانيين العراقيين وعرضها للعمل في أسواق العالم، فلربما أرادت بعض الشعوب أن تتعلم من خبراتهم عديمة القيمة، فتدفع لهم مكافآت تعينهم على تحمل شظف العيش! شظف العيش وكل نائب راتبه التقاعدي 6 آلاف دولار عن 4 سنوات خدمة، وبعضهم صار نائباً وهو بلا شهادة، إنها حقاً قسمة ضيزى!! ملهم الملائكة

تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

مقالات ذات صلة

حكايات ساخرة بلا مناسبة

حكايات ساخرة بلا مناسبة

يصف الكاتب محمد حسين صبيح كبة برنامجاً روسياً افتراضياً عن لقاءات مع الناس ومع مهندسي نفط روس حول برج للنفط مائل الطباع بناه العراقيون، ويمضي ليصف أشياء أخرى غير ذات صلة بالنفط وابراجه. الحكاية بدأ الأمر بشكل لطيف وبدم خفيف. كان الأمر على شكل كاريكاتير في كتاب عن...

قراءة المزيد
كتابات ومفارقات

كتابات ومفارقات

يرى محمد حسين صبيح كبة أن فكرة التحول مما بين بشري وحيواني ونباتي وجمادي هي فكرة رهيبة راودت بعض العلماء مثل ذلك مثل محاولات العرب والمسلمين أمر محاولاتهم في الكيمياء وفي غير الكيمياء مثلا أمر إكسير الحياة ومثلا أمر تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب. الفكرة ممكنة...

قراءة المزيد
من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم

من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم

كتابات ساخرة من وحي خطب الجمعة وسوق انتقالات كرة القدم. يروي محمد حسين صبيح كبة طرفة تفيد أنّ خطيباً في أحد المساجد هبط من المنبر بعد خطبته وهو يرتجف من الخوف بعد أن أحاط المصلون به من كل جانب، ثم قالوا له بكل وضوح: قولك وخطبتك أن موقعة بدر كانت بالدبابات والقنابل...

قراءة المزيد

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *