تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

أنا وصديقي وجدل المقاهي

أبريل 1, 2023 | 0 تعليقات

أحلى ما في عراق 2003 مساحة الحرية وفضاء الرأي المفتوح، شباب العراق يمارسون هذه الحرية دون أن يدركوا مستوى ضغوط سنوات صدام والبعث والعسكر والقوميين والانقلابيين التي قضت على كل رأي وحولت الناس إلى مكائن مطيعة تنفذ رغبات الساسة، واغلبهم واهمون كاذبون مرضى. ومن قصص حرية الرأي في العراق الجديد الساخط على نفسه هذه الواقعة.

في بغداد عام 2019 كنت معية زملاء صحافة واعلام، ومجتمع مدني يسر القلب، وأصدقاء يصغروني بأكثر من 3 عقود أزور أحد منتديات الثقافة في المركز الثقافي البغدادي بشارع المتنبي، وكان أحد “العباقرة” يلقي محاضرة عن علاقة علم الاجتماع بالعقيدة الإسلامية في قاعة ضمت نحو 60 شخصاً جاءوا لينتفعوا بمعرفة المحاضر الهمام الذي بدأ كلامه العلمي المحايد بعبارة “إن شاء الله كلنا مسلمين” هكذا نطقها خطأ: “مسلمين”! ورغم أنّه يحمل لقب دكتور، فإنّه علاوة على خطئه النحوي المخزي قد ارتكب خطأ رهيباً بافتراض أنّ كل الحاضرين مسلمين، ونهضت فوراً من مكاني مقاطعاً كلامه السقيم وقلت له: “أنت تفترض أن كل الحاضرين مسلمين، قبل أن تدخل في محاضرتك المفيدة! طيب أنا مسيحي (خلافاً للحقيقة لمجرد أن أُشعره بغلطته) …أجد نفسي قد اخطأت في الدخول إلى هذا المكان لأنّه مكرّس للمسلمين فقط، وعليه سأغادره وأدعو غير المسلمين إلى مغادرته لأنّ المحاضر يخص في كلامه المسلمين فحسب، بمعنى أنه “سيهاجم الآخرين المختلفين معه”.

وخرجت ومعي الإعلاميين الشباب الذين دلوني على المكان ورافقوني في فعاليات “الجمعة المباركة” سيئة الصيت في شارع المتنبي، كما غادر المحاضرة بضعة أشخاص من الموجودين، وفيما بعد كتبت لصاحب المنتدى المليونير الذي طلّق عالم المال وتفرغ للثقافة والأدب، حباً في المعرفة كما أخبرني، وقلت له إني لن أكرر خطأي في حضور منتدياته وهو الذي دئب على دعوتي للمشاركة منذ عام كامل.

توارد لخاطري هذا الحدث وأنا أحاور صديقاً عرفته في مقهى فيسبوك. ورغم أنّ بيني وبينه خمسة عقود من العمر، فقد جمعنا المقهى الافتراضي العجيب، ووضعنا بإزاء بعض. وكنت قد انزلت بوستاً عن رمضان ذكرت فيه أنّ “أغلب الصائمين المصلين الذين يتحملون مشقة الصوم والصلاة اليومية يسعون لإشراك الآخرين بالقوة في مشقتهم وفق مبدأ تعميم العذاب”، وقد أثار البوست نقاشات وتعليقات مؤيدة ومعارضة، لكنّ الصديق …. H…. Aتأثر بقوة بفكرة البوست، وعدها استفزازا لمشاعر الصائمين (ولا أدري لماذا يجب أن نراعي مشاعرهم وهم لا يفعلون ذلك بل يحرضون على سجن المفطرين والمجاهرين بالإفطار) ، فكتب يقول:

“الأغلب يعني 70% وصعودا، أتمنى أن يكون رأيك مستنداً لإحصائية دقيقة”

أجبته: “أنا لا املك احصاء بل أنا مواطن عراقي مسلم خاتم القرآن 301 مرة”

أجابني بلباقة لطيفة: “قراءة القرآن شيء جيد ومحبب عند الكثير من المسلمين ولكن لن يكون أحدهم مخول أو قادر على اتهام الملايين من المسلمين بأي تهمة كانت وحسب هواه حتى لو ختم القرآن مليون مرة وحفظه عن ظهر قلب.

أنا أحبك وأحترمك وأعرف جيدا مدى روعة العقل والثقافة اللذان تملك لكن ومع جُل احترامي لك الكثير من منشوراتك تكتبها تحت ضغط وعدم حيادية أو ربما تحت انفعالات لحظية، تقبل مني هذا النقد البناء مع أجمل التحايا وأطيب التمنيات “.

ورغم أن كلماته فيها هجوم، إلا أنّه كان هجوماً بالورد وأعطاف الغصون لا يجرح، فأجبته: “شكراً لتعليقك يا صديقي، أنا على صفحتي أقول ما اشاء وأخاطب من هم مثلي، وللآخرين أن ينتقدوا أو يستاؤوا…أليست هي صفحتي وأنا حر فيها؟

ولم تستفزه كلماتي، فردّ بشكل يحاول أن يكون موضوعياً: “بلى هذا مؤكد، وأنت حر بما تقول وتنشر لكن راع أن الكثير من أصدقاء صفحتك مسلمون وكل أهلهم وأقاربهم ومعارفهم مسلمون، حضرتك تعمم وتطلب من الجميع ألا يأخذ الكلام على نفسه أو يفترض نفسه أنه من ضمن البعض الذين لم يشملهم التعميم، على كل حال أنتَ حر وأنا أحترم رأيك وما تنشر ولا أطلب منك شي وتعليقي كان مجرد نصح من صديق مخلص”.

أفضت في اجابته بالقول: “أنا أوجه الكلام لأبنائي الثلاثة أيضا وهم معي في البيت وكلهم صائمون!؟ يا عزيزي فيسبوك ليس منبراً اعلامياً، بل هو مقهى يدخله كل الناس، وكما تجد في المقهى ناساً يجلسون مع بعض لأنهم متقاربون متفاهمون، كذلك في فيسبوك.

شكرا لنصائحك، وأقدر حرصك على “عقيدتك” الشمولية، ولكنك لم تقترب من معنى المقهى…في المقهى حين لا يعجبك ما يقوله أحد الجلاس على طاولة قريبة من طاولتك لا تنتقده! ولا يحق لك أن تنتقده لأنك مختلف معه، بل عليك أن تكف عن الدخول معه في جدل في المستقبل لأنك مدركٌ سلفا اختلافكما.

فيسبوك مقهى يتيح للناس عرض وقائع حياتهم اليومية سواء راقت للمختلفين أم لا، لأنّ العالم ليس صائماً كله، وليس عابداً كله، وليس مسلماً كله. الحرية هي أن تفكر بالآخرين قبل أن تفكر بنفسك…هكذا كبرت وهكذا تعلمت من تجارب سبعة عقود دامية مفعمة بالحروب والسجون والخيبات والهجرات.

بالمناسبة، أنا منتظر منذ أشهر مداخلة مثل هذه منك، فالإسلاميون لا يطيقون الحديث مع المختلفين عنهم. وجنابك اسلامي الفكر، أنا اقبل الاسلاميين على صفحتي، لكنهم لا يقبلوني على صفحاتهم…أليس هذا اجحافاً؟” (كتبت هذا رغم يقيني التام أنه ليس إسلامي الهوى، لكني أردت استفزاز ثقافته وحسه المعرفي).

اجابني الشاب بلهجة بالغة التهذيب، وبعبارات رشيقة لا تشي بغضبه المتصاعد: “مع احترامي لجنابك العزيز لكنك افترضت عدة افتراضات جديدة ومع الأسف خاطئة أيضاً، سأبدأ بما انتهيت به أنت فأولا وقبل كل شيء أنا لست إسلامي بل مسلم فقط ولست داعٍ للإسلام ولا مبشر به ولا أری نفسي متديناً من الأساس بل ولا أخفي عليك ولا علی أحد ولا أستحي من أن أقول بأنني أهجر صلاتي أحيانا وأعود لها بعد مدة فلست بصاحب الإيمان الفولاذي ولا العقيدة الراسخة مع أني لا أجد كلمة إسلامي سُبّة أو منقصة إذا نعتني بها أحد فأنا أحترم الكثير منهم وتربطني صداقات بالكثير منهم أيضا وبالمناسبة لم أجد معنىً واضح ودقيق لمفهوم كلمة إسلامي رغم بحثي وقراءاتي المتنوعة حول الموضوع، أما مثالك عن المقهى وعن ما يتحدثون به ويختلفون فيه ويتجادلون فهو مثال غير موفق فأنا لم أظن يوما أو يتبادر الى ذهني أنك كمَن يرتادون المقاهي الرخيصة ويتحدثون بأحاديث الرعاع وحتى لو أصبت بتشبيهك فيسبوك بالمقهى فسيبقى كلٌ منا يبحث عن صداقات مع أناس تناسبه وتناسب أخلاقه ومبادئه حتى لو اختلفوا ببعض الأمور والأفكار ولا يحشر نفسه في تفاهات التافهين ويدخل في جدالات الجاهلين، وعلى كل حال أنا لو جلست يوما في مقهى شعبي وسمعت أحدهم يسيء إلى غالبية طائفة أو عرق أو إثنية أو مكون لما توانيت لحظة في رده وتبيان الخطأ الذي هو عليه حتى لو كنت متيقن بجهله وبأن كلامي سيذهب سُدًى معه فلا بُد مِن وجود مَن سيعقل ما أقول وأنصح به، وختاماً أقول: أنا متقبل للجميع وصدري رحب جدا ومتقبل جميع المختلفين بالفكر والرأي مالم يسيئوا لغيرهم ويطعنوا بإيمانهم وعباداتهم، وإذا كنت مصراً على أنّي إسلامي فسأكون أول إسلامي يقبلك على صفحته ويتابعك ويتابع منشوراتك ويقرأ مؤلفاتك ولا يتصرف معك بإجحاف، هذا إذا كنت مصرًا بأني إسلامي بعد كل ما ذكرت”.

ورغم أنه يواصل الهجوم، لكنّ مقاربته بقيت موضوعية مؤدبة، ما يدل على حسن تربيته وطيب منبته، وهذا دفعني إلى التمسك بمحاورته فقلت: “شكرا للإفاضة صديقي، يسعدني جداً أن لي صديق يصغرني بخمسة عقود…انظر إلى معجزة فيسبوك، أنا في السبعين أجادل شاباً في عشرينياته، ونختلف ونتفق لكننا نحتفظ بمسافة احترام وتقدير رغم فاصلة قد يبلغ قطرها 50 عاماً. شكرا لحسن خلقك ولأدب لغتك الجم. أقدر مشاعرك ولكل انسان فهمه في مسائل العقائد…غالباً لا يفهمني أغلب الناس في كثير من كتاباتي ومداخلاتي، لأنهم يحسبوني شيوعياً أو يسارياً أو علمانياً أو لبراليا ملحدا…لست كذلك! بل أنا مهاجر اعيش منذ 33 سنة خارج الوطن، (باستثناء سنتين) واعتبر الأيديولوجيا بكل أنواعها شر قاتل، وأفسر العالم كما يحلو لي. لو كنت في بغداد لقتلني الولائيون أو الاسلاميون وعلقوا جثتي على جسر الجمهورية كما فعل السفلة بالحلاج قبل قرون. المهم لي أن تفهم أني لا أشبه أحداً، ولا أحب أن اتبع أحداً ولا أكون مثل أحد…في ذهني دائما أبيات محمود درويش الخالدة:

يا أيها الولد الموزَّعُ بين نافذتين

لا تتبادلان رسائلي

قاومْ!

إنَّ التشابه للرمال… وأنتَ للأزرقْ

وبما أنك تكتب بلغة جميلة ثرة، فلا حاجة بي لأشرح لك معاني الابيات… (أنا ارفض أن اكون رملاً متشابهاً كما رفضت والدتي التي رحلت قبل 13 سنة في بغداد وحيدة ولم يحضر فاتحتها أحد لأنها رفضت أن تكون مثل الآخرين، أنا الأزرق) …ولك أن تقرر ما معنى الأزرق هنا فكل الاحتمالات مفتوحة.

وحافظ الحوار الذي يقرأه كل الأصدقاء على وتيرة النقاش بنكهة المحبة وبعطر الاحترام، وبنغم التواصل دون جفاء، فقال الصديق …. H…. A: “لك مني كل الحب وخالص الاحترام ولوالدتك الرحمة والمغفرة والجنان وأنا فخور جداً بمناقشتك كلما تسنح الظروف والمواقف وبمجادلتك أحيانا وهذا يثري معرفتي ويطور مِن فكري وتفكيري وأرجو ألا أكون مزعجًا لك أو ثقيلا عليك، أنا شاكرٌ لك وممتن للقدر الذي جمعنا في هذا العالم وأرجو من الله أن ألقاك يوماً ونتبادل الأحاديث ونختلف ونتفق لساعات، يا حبذا لو لأيام لك مني خالص الحب والاحترام، دمت سالماً”.

بون/ بغداد 1 نيسان 2023

تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

مقالات ذات صلة

حادثتان غريبتان

حادثتان غريبتان

بقلم الكاتب والباحث محمد حسين صبيح كبة تمهيد في هذه المقالة / البحث سأقوم بذكر حادثتين غريبتين مرتا بي ثم اقوم ببعض التحليلات. المتن ألف- الحادثة الأولى: كنت في عمان الأردن أتابع التلفاز على إحدى القنوات الفضائية التي كانت مسموحة في الأردن وغير مسموح بها في العراق إلى...

قراءة المزيد
السلامة من الحرائق في المنزل – الحلقة الثانية

السلامة من الحرائق في المنزل – الحلقة الثانية

أ. صباح علو / خبير السلامة اًولاً: تدابير السلامة التي يجب أن تتوفر في منزلك هي: طفاية حريق متعددة الأغراض (بودرة - ثاني أكسيد الكربون) ولابد من ملاحظة الآتي: -   وضعها في مكان بارز يعرفه جميع أفراد الأسرة وبشكل رأسي. -   وضعها في مكان لا يمكن الأطفال من العبث بها. -...

قراءة المزيد
السلامة المنزلية (الجزء 1)

السلامة المنزلية (الجزء 1)

سلسلة مقالات بقلم صباح رحومي السلامة هي العلم الذي يهتم بالحفاظ على سلامة الإنسان، وذلك بتوفير بيئات عمل وسكن آمنة خالية من مسببات الحوادث أو الإصابات أو الأمراض من خلال سن قوانين وإجراءات تحث على الحفاظ على الإنسان من خطر الإصابة والحفاظ على الممتلكات من خطر التلف...

قراءة المزيد

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *