فيلم سياسي مصنوع بعناية، يطرح الصراع بين فهم دولة ولي الفقيه وداعميها المتحمسين للواجب الدبلوماسي للسفارة، أي سفارة، مقابل توقعات كادر السفارة الأمريكية في طهران في أوج غليان أنصار الولاية في شباط/ بهمن عام 1979. ولمناسبة موسم إيران للاحتفال ب”انقلاب بهمن ماه” نعيد نشر هذه المشاهدة للفيلم.
تسلق آرغو إلى القمة دون أكشن أكروبات على طريقة رامبو، ودون نساء جميلات عاريات. اطلاق الفيلم وفوزه المتلاحق بجوائز الاوسكار جاء بعد أن رفعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سي آي اي في عام 2007 السرية عن الوثائق المتعلقة بأزمة رهائن السفارة الأمريكية بطهران.
مخرج ومنتج وبطل الفيلم هو” بين افليك” ، وقد نجح في أن يصنع فيلم إثارة قليل التكلفة بسيط الحبكة والتفاصيل محمل بالدلالات السياسية، لينجح في شد أنفاس المشاهدين على مدى 120 دقيقة .
القصة تدور حول 6 من العاملين في السفارة الأمريكية بطهران ، نجحوا في الفرار من باب خلفي للسفارة في 4 تشرين ثاني/ نوفمبر 1979 لحظة اقتحمها الحرس الثوري وما يسمى في إيران ب( حركة الطلاب السائرين على خط الإمام) . ولا ينسى المرء أنّ الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد، ونائبة الرئيس السيدة معصومة ابتكار كانا شخصياً – حسبما شاع- ضمن عناصر الحرس الثوري الذين اقتحموا السفارة واحتجزوا الرهائن- وإن كانت مصادر المخابرات الأمريكية لا تملك دليلاً قطعياً على ذلك.
حبكة أمريكية بامتياز
وصل الهاربون إلى بيت السفير الكندي بطهران، وتواروا فيه. ولغرض إخراجهم من إيران ، إستعانت الإدراة الأمريكية في واشنطن بخبير في سي آي أي بعد أن أعيتها الحيلة. الخبير توني مينديز(ويؤدي دوره بين افليك) إبتكر طريقة ينفذ من خلالها إلى المجتمع الإيراني المضطرب المحشّد ضد الغرب والولايات المتحدة . فيبدأ بإنتاج فيلم خيال علمي إسمه ” آرغو” ( ويصبح إسم ملف العملية آرغو) ليصبح غطاء يمكّنه من دخول طهران وتصوير بعض مشاهد الفيلم فيها مع الفريق المفترض وهو الموظفين الستة بعد تزويدهم بجوازات سفر كندية مزورة .
مستعيناً بخبرة ممثل ومنتج معروفين في هوليود (يقبلان أن ينتجا مشاهد من الفيلم في أماكن عامة مجاناً للمساهمة في إنقاذ الموظفين الأمريكيين الستة من فوهة بركان الثورة الخمينية)، يصل البطل طهران ويتصل بالموظفين المتوارين، ويقنعهم بأن يخوضوا المغامرة لاسيما وأنّ هذا هو الحل الوحيد المتيسر لمحنتهم.
عبر سلسلة من المشاهد المشحونة بالخوف من مواجهات مع المتشددين المسلحين والمتظاهرين المأخوذين بكاريزما الإمام العجوز واليساريين الكارهين لكل ما هو أمريكي وغربي بفعل الغسيل الشيوعي السوفيتي الذي كان سائداً آنذاك، ينطلق الموظفون الستة مع منقذهم عبر شوارع طهران التي تنتشر فيها جثث المشنوقين المعلقين برافعات البناء العملاقة، والسيارت المحترقة ومشاهد العنف الثوري تجاه المعارضين والتظاهرات العشوائية التي تذكر المشاهد بأجواء الربيع العربي السلفي سيء الصيت، ليصلوا إلى مطار مهرآباد حيث طائرة (سويس اير) التي تطير بهم الى بر الأمان خروجاً من الجحيم الخميني الملتهب (عبر أجواء العراق من خلال مشهد قصير جداً لضابط عراقي يصادّق ويختم جوازات سفرهم، ولا ندري كيف جرى ذلك وهم في الطائرة!) .
نجاح الفيلم يغضب الحكومة الإيرانية
الإيرانيون – كعادتهم – فسّروا فوز الفيلم بجوائز الأوسكار وحجم المشاهدة والإيرادات الهائلة (أكثر من 218 مليون دولار بعد شهرين من بدء عرضه) التي حققها، بأنه مؤامرة أمريكية تستهدف طمس حقيقة النصرالإيراني “السماوي على الإمبريالية الأمريكية” من خلال إحتجاز موظفي سفارة الشيطان الأكبر! لمدة 444 يوما اسقطت الرئيس جيمي كارتر – الأضعف في تاريخ أمريكا – بالضربة القاضية.
بمرارة الفشل كتبت وكالة أنباء فارس نقلا عن مراسلها في واشنطن :
“بدلاً أن يركز الفيلم على ثورة إيران الكبرى، تراجع عن خطه الروائي (حيث كان قد بدأ بعرض سردي لثورة مصدق ودور أمريكا في إسقاطها واعادة الشاه وعرض لمظالمه وبذخ بلاطه وجوع الشعب)، وصار يركز على فرضية أن الأمريكيين البيض في خطر.
ومن خلال تتتابع مشاهد الفيلم ، يظهر الإيرانيون كأنهم مخلوقات بدائية، تتحرك في مجاميع شيطانية متعطشة للدم، في تعمد درامي يهدف إلى خلق حالة خوف وهلع من الشعب الإيراني في نفس المتلقي.
بعد مشاهدة الفيلم يخلص المشاهد، الى أن ثورة الإمام (خميني) قد حولت الشعب الإيراني الى مردة وشياطين لا هم لهم إلا قتل الناس وترويعهم، مستهدفين الغرب وحضارته في كل ذلك”. انتهى النص المأخوذ من وكالة أنباء فارس والمنشور بالفارسية بتارخ 10 آذار/ مارس 2013.
“المدد السماوي أحبط عملية مخلب الصقر”
نجاح فيلم ” آرغو” زاد من مرارة الإيرانيين حيث اكتشفوا في وقت متأخر كيف تغلبت عليهم المخابرات الأمريكية بالتنسيق مع الدبلوماسية الكندية. هذه المرارة دفعت بنقادهم السينمائيين ومعلقيهم السياسيين إلى مقارنته بالفيلم الإيراني (طوفان شن) أي عاصفة الرمال الذي أنتج قبل سنوات طويلة وتناول محاولة الإدارة الأمريكية في عام 1981 تحرير الرهائن بعملية جيمسبوندية كان مصيرها الفشل الذريع مقروناً بخيبة سياسية للإدارة في ذلك الوقت.
وزارة الإرشاد الإيرانية كانت قد أنتجت في تسعينات القرن الماضي فيلم عاصفة الرمال من اخراج جواد شمقدري وهو كاتب السيناريو، وبطولة الممثل القدير أحمد نجفي لمدة 130 دقيقة .
شمقدري لم يكن قط مخرجاً معروفاً خارج مظلة الإعلام الرسمي الموجه ولا يشكل حضوره أي وزن في صناعة السينما الإيرانية العملاقة، وهو اليوم معاون وزارة الإرشاد الإسلامي، لكن الممثل أحمد نجفي هو واحد من أبرز وجوه السينما الإيرانية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، لعب دوراً مهماً في الفيلم.
قصة فيلم “عاصفة الرمال” تتناول محاولة مفرزة من قوات النخبة الأمريكية المحمولة جواً(دلتا) تنفيذ عملية إنزال في صحراء طبس غرب طهران، والإنتقال للعاصمة بالشاحنات، ثم الهجوم على المكان الذي يحتجز فيه الرهائن بقلب العاصمة، وتحريرهم من أيدي خاطفيهم ثم العودة بالشاحنات إلى الطائرات التي تنتظرهم في طبس والعودة بعدها إلى قواعد الطائرات في الخليج.
الفيلم تابع هذه التفاصيل، وتابع بعدها فشل العملية إثر عاصفة رمال ضربت طبس وقت التنفيذ وأسفرت عن سقوط وتحطم بضع طائرات من الأسطول المنفذ ومقتل بعض من القوات التي كانت على متنها.
“فشلت عملية مخلب الصقر بسبب تهالك الطائرات”
النخبة السياسية الدينية الإيرانية عزت هذا الفشل دائما إلى “إرادة آلهية تدخلت بقدرة عاصفة الرمال وأحبطت خطة الشيطان الأكبر للتآمر على جمهورية ولاية الفقيه، ظل الله على الأرض”. وبفضل “المدد السماوي وصل طبس جنود من رمال واطاحوا بالقوة المهاجمة ودمروها”.
لكن الجدل في إيران اليوم ينحو إلى أن يعزو الفشل الى أسباب بشرية غير سماوية، وهكذا كتب الناقد حسن عباسی “إن سبب فشل عمليات (مخلب الصقر/ حسب التسمية الأمريكية) في طبس لا يرجع إلى تدخل السماء في دعم جمهورية الإسلام، ولا إلى تدخل المخابرات السوفيتية التي ظللت أقمارها الصناعية الطائرات الأمريكية فسقطت في طبس (كما شاع بعد تنفيذ العلمية)، بل إنّ السبب الأصلي يعود إلى تهالك وقدم الطائرات التي نفذت العملية، ما أضعف أداءها فسقطت وفشلت العملية”.
هذا التراجع عن نظرية المدد السماوي، يثير اليوم عاصفة من النقد يوجهها المحافظون في الحكومة الإيرانية والأقلام التي تروج لطروحاتهم. المدافعون عن نظرية المدد السماوي هم أشد المهاجمين لفيلم “آرغو” باعتباره محاولة للتغطية على خيبة الإدارة الأمريكية وفشلها في تحرير الرهائن من خلال علميات (مخلب الصقر)، معتبرين الفيلم محاولة لاستعادة ماء الوجه المهدورة في صحراء طبس.
ملهم الملائكة
0 تعليق