أحواز أرض العرب جنوب غربي إيران تعيش أوضاعا صعبة وتجتاحها تظاهرات بسبب البطالة وانقطاع مياه الشرب وانقطاع التيار الكهربائي. المصادر الرسمية تتحدث عن تداعيات نقل مياه المنطقة وتغيير مجرى نهر الكارون ما تسبب في التصحر وعواصف غبار ورمال عطّلت كل مفاصل الحياة.

تدهورُ الأوضاع في الجزء العربي من إيران أجبر وسائل الأعلام الرسمية على تسليط الضوء عليها، وقد نشرت وكالة أنباء الطلاب “إيسنا” في الحادي عشر من شباط/ فبراير 2017 تفاصيل ما يجري مشيرة بالقول “ممثل منطقة الأحواز في مجلس الشورى علي ساري كشف أنّ انقطاع مياه الشرب والتيار الكهربائي المتسبب عن العواصف الترابية والرملية قد جاء نتيجة توقف محطة الطاقة الكهربائية في إقليم خوزستان عن العمل، ومجمل هذه الظاهرة ناجم عن نقل مياه الأحواز (بالفارسية خوزستان) إلى الصحراء الكبرى (فلات مركزي) وسط إيران، ويبدو أنّ صرخات سكان المنطقة لا تصل الى أسماع أحد”.

لكن المشهد يبدو متداخلا، فهناك تظاهرات تجري في عدة مدن في الإقليم، وتعرضت مصانع عدة للغلق، كما أنّ سلطات الأمن جلبت تعزيزات من مدن عدة ، وخاصة من إقليم فارس تحسبا لتطور الموقف.

الناشط الأحوازي في حقوق الإنسان عبد الكريم خلف تحدث حصريا لنا كاشفا عن تفاصيل المشهد بقوله “ما يجري في الأحواز يجري في ثلاثة محاور، الأول هو التلوث البيئي والانقطاع المتكرر للكهرباء والماء، والمحور الثاني يخص الاعتصامات في بعض الشركات ومنها شركة الفولاذ، وشركة البتروكيماويات والاحتجاجات في دوائر البلديات. فوق ذلك وهو المحور الثالث هناك جو متشنج أمنيا بسبب اغتيال أحد الشباب في مدينة الفلاحية”.

انقطاعات الكهرباء والغاز المتكررة

ويبدو أنّ أزمة الكهرباء والغاز تتفاقم في مناطق عدة من إيران، حيث أنّ اقليم همدان ومدنه ومناطق مهاباد، سنندج ومدنها في إقليم كردستان إيران، علاوة على مناطق إقليم الأحواز، تشهد قطعا منظما للغاز المسال، وقطعا غير منظم للتيار الكهربائي، وقد اعلنت بيانات رسمية أنّ انقطاع التيار الكهربائي في أحواز ومدنها سببه توقف محطة توليد الطاقة الحرارية بسبب العواصف الرميلة والغبار. وبهذا الخصوص كشف الناشط عبد الكريم خلف ” منذ يوم 11 فبراير حتى اليوم هناك انقطاع متكرر للكهرباء وتحول الى أزمة، بل يمكن القول إنّ الحياة معدومة، لأنّ أغلب الدوائر الرسمية والمدارس والجامعات مغلقة بسبب العواصف الترابية والتلوث، ونحن نتكلم هنا عن 11 مدينة تعرضت للأزمة، علاوة على قرى وقصبات كثيرة في أطراف المدن تعاني من التلوث والغبار، وقد وصلني اليوم أنّه قد تم نقل 218 شخصا الى المستشفيات بسبب مشكلات في التنفس”.

أسباب الكارثة طبيعية أم صناعية؟  

عضو في كتلة المعارضة ” أميد” في مجلس الشورى الإيراني أعلن من جانبه “أزمة خوزستان سببها تغيير مجاري الأنهر ونقل المياه الى الصحراء المركزية، ويبدو أن لا أحد يلتفت لمعاناة الناس هناك. انقطاع التيار الكهربائي سببه العواصف الترابية والرميلة الناشئة عن تغيير مسار نهر الكارون وتفرعاته لإيصال الماء لمناطق مركزية في إيران”.

وفيما قاله النائب المعارض ردٌ على بعض التبريرات التي تتردد في أروقة الحكومة والبرلمان بأنّ سبب الأزمة خارجي وطبيعي لا علاقة له بتقصير حكومي. وبهذا الخصوص يقول الناشط الحقوقي عبد الكريم خلف ” حتى في أوج الحرب العراقية الإيرانية لم تشهد الأحواز مشكلات تلوث بهذا الحجم، وهو ما أكده حتى النائب في مجلس الشورى “الكعبي”، الحقيقة هي أنّ النظام الإيراني قام ببناء سدود، وانشاء مزارع قصب السكر، علاوة على مشاريع بترولية عديدة أدت الى تجفيف الأنهر، وتجفيف الأهوار وخاصة هور الحويزة، بل أنّ بعض الخبراء الإيرانيين ، اثبتوا مؤخرا أنّ منشأ العواصف داخلي وليس خارجي”.

سد الكرخة قاتل العرب “عرب كوشه”

سد عرب كوشه، سد بهشت زهراء، سد الكوثر، هي مشاريع ري أقامها النظام لغرض نقل مياه نهر الكرخة والكارون إلى أصفهان وقم ويزد، لغرض تعزيز موارد مياه الشرب كما أُعلن، لكنّ بعض المسؤولين في مشاريع ري الأحواز، كشفوا أنّ كميات الماء الذي ينقل الى الهضبة الوسطى في إيران هي أكثر بكثير مما أعلن وهذا أدى الى تجفيف الأنهر والأراضي، والمزارعون يعانون كثيرا من سياسة ترشيد موارد المياه. وأضاف خلف بهذا الخصوص “نشاط شركات النفط أيضا في منطقة دست ميسان، أي هور العظيم في الأحواز ومدن البسيتين والخفاجية والحويزة أدى الى تفاقم الأزمة، فقد أُجبر النظام على تجفيف مسطحاتها المائية لسحب النفط منها، أضف الى ذلك مشروع قصب السكر وهو المشروع المحصور بين مدنية الاحواز والمحمرة، وقد صودرت الأراضي من أصحابها على مساحة تصل الى 120 كيلومترا مربعا واقيمت عليها مشاريع قصب السكر التي رفعت ملوحة الأرض وأدت الى جفاف نهر الكارون الذي باتت مياهه غير صالحة حتى لشرب الحيوانات”.

 السياسة تطل برأسها “جفت ضمائركم كما جف شريان وطني كارون”  

وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي صور لتظاهرات ولافتات يرفعها محتجون تعلن بلا خوف احتجاجات الأحوازيين، بعضها قرأت “جفت ضمائركم كما جف شريان وطني كارون”، ولافتة رفعها طفل يحمله أبوه كتب عليها” موائدنا باتت خالية، أعطونا حقوقنا”، فيما رفعت مجموعة نسوة مقنعات لافتة كتب عليها” انتبهوا إلى مطالب المجتمع المدني في الأحواز”، كما تنتشر صور لشبان عاطلين يفترشون الأرض ويعرضون شهاداتهم رغم الحضور الأمني المكثف مطالبين بتوظيفهم، وصور أخرى لعمال وموظفين شركات البترول العملاقة وهم مضربون عن العمل احتجاجا على فساد قيادات الشركات الحكومية التي تشغّلهم. وإلى ذلك أشار الناشط الأحوازي عبد الكريم خلف بالقول” لا يخفى أنّ 70 بالمائة من المسؤولين الموجودين في مؤسسات الأحواز هم  ممن يُطلق عليهم” المدراء الطيارون” بمعنى أنهم لا يسكنون المنطقة بل يزورونها بالطائرة ، فهم يأتوا من طهران أو أصفهان، ويقضوا عملهم، ليعودوا غالباً في نفس اليوم من حيث أتوا، وهذا سببَ نوعا من عدم العناية بما يحدث حيث يسود المنطقة الفقر، إذ أن 50 بالمائة من أهل عبادان عاطلون عن العمل، وفي الحويزة يصل الرقم الى 70 بالمائة، بل أنّ السلطات نقلت من المنطقة أكبر شركة لتكرير النفط، الى منطقة آراك (الاقليم المركزي) ، ما فاقم نسب البطالة بسبب طرد أغلب العاملين في هذه الشركة، ونحن الناشطون نعتقد أنّ هذه الأزمات المفتعلة في الأحواز يراد منها تطهير عرقي وتهميش لسكان المنطقة العرب”.

سياسة تفريس بقوة الرصاص و الهراوات !

وشهدت مناطق الأحواز في البداية تظاهرات شارك فيها ألوف الاحوازيين بسبب تلاحق الأزمات في المنطقة، لكن بعد التهديدات التي أطلقها النظام، وبعد قيامه بجلب تعزيزات أمنية من مناطق أخرى تضم عناصر أمنٍ يركبون في الغالب دراجات نارية ومسلحون بالمسدسات والهراوات والسكاكين، تقلص عدد المتظاهرين وبات لا يتجاوز المئات يجتمعون ويرددون شعارات وهوسات عربية ، ثم يتفرقون كما يؤكد الناشط خلف مضيفا ” بل تصل التظاهرات إلى صدامات في بعض المدن، ومنها الفلاحية حيث جاء النظام بجيش من محافظة فارس بسبب وجود صدامات، وقبل يومين قُتل رئيس الأمن الجنائي في مدينة  الخلفي بسبب عنصريته”.

يشار الى أنّ كلمة خوزستان وفدت الى الأحواز عام 1936 وكان يقصد منها  تفريس المنطقة كما تشير مصادر عربية، فقد سُميت مدينة المحمرة “خرم شهر” و سميت مدينة عبادان “أبادان” فيما أطلق على مدينة الخفاجية “سوسنكرد” والصالحية “أنديمشك”، أما وصف خوزستان فأريد منه تغيير هوية المنطقة بالكامل، فالكلمة تعني حرفيا” أرض قوم الخوز” وهؤلاء لم يسكنوا هذه المنطقة قط، بل إنّ موطنهم هو مدينة قم وما حولها.

ملهم الملائكة/ فصل من كتاب “إيران دولة المساجد العميقة”