تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

في بيتنا نتفليكس

نوفمبر 15, 2020 | 0 تعليقات

لعل نتفليكس التي بدأت تجتاح العالم من أهم منجزات العصر الرقمي في الألفية الثالثة. فهي مشروع لبث الفيديو المستمر ولد عام 2007 ليتحول إلى شركة تنافس شركات هوليود الكبرى، ثم لتكون بمثابة إعلان ثورة في العصر الرقمي.

ثلاثة بلدان فحسب في عالم اليوم تعيش بلا خدمة نِتفليكس، وهي الصين وكوريا الشمالية وسوريا. كما أنّ الإيرانيين يفتحون شفرة نِتفليكس ببرامج بروكسي ومثلهم الفيتناميون حيث أن بثها شبه ممنوع في البلدين، لكنّ الناس ابتكروا طرقاً لكسر التحريم الرسمي.

إنّه عالم آخر تماما، الفكرة هي أن يشبّك مع تطبيق NETFLIX كل من يملك جهاز تلفزيون ذكي ووصلة انترنت قوية عبر العالم من خلال ثلاثة خيارات اشتراك زهيد الثمن أغلاها قيمته 12 دولار شهرياً (وهو أقل من سعر تذكرة دخول سينما لمشاهدة فيلم لمرة واحدة في أوروبا والولايات المتحدة)، ممهدٌ لها باشتراك مجاني تجريبي لمدة 29 يوماً، يتذوق المشاهد خلالها كل ما اشترت الشركة حقوق بثه.

الاشتراك يشمل الأفلام والوثائقيات والمسلسلات والبرامج التلفزيونية. ويحدّث المعروض كل أسبوع بأعداد كبيرة. الرصيد الأوّلي للمشترك هو حق مشاهدة 4500 فيلم و400 مسلسل وبرنامج على مدار الشهر. عناوين الأفلام والمسلسلات تحدّث حسب برنامج الشركة.

تاريخياً، بدأت شركة نِتفليكس منذ نهاية تسعينيات القرن العشرين بإطلاق خدمة تأجير اسطوانات DVD الفيديو، وايصالها إلى المشتركين. جرى هذا قبل أن تنفجر خدمات الانترنت عبر توسع وادي السيليكون وهيمنة التروستات العملاقة “غوغل، فيسبوك، مايكروسوفت، أمازون”. ويمكن للمشاهد أن يختار لغة لمشاهدة العروض (بعض العروض توفر خيارات تصل إلى 12 لغة، والعرض يكون مدبلجاً غالباً، ونادراً مع سبتاتيل ترجمي). ومن ميزات العرض أنّ المشاهد حين يتوقف عن المشاهدة ليذهب للنوم أو ليخرج لشأن ما، يعود وحال فتحه البرنامج في المرة القادمة إلى حيث توقف بلا أي جهد، فالبث مخزون في ذاكرة التلفزيون الذكي، ويعيده إلى حيث كان.

ألوف حَمَلة الأسهم الأذكياء، جنوا أرباحاً خرافية خلال 15 عاماً، فقد ارتفع سعر سهم نتفليكس في البورصات الدولية من 67 سنتاً، حين اطلاق استكتاب الشركة عام 2003، إلى 360 دولاراً للسهم منتصف عام 2018 !!

إحدى سيدات المجتمع الأمريكيات الشهيرات عبر الفضاء الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي بجسدها الممتلئ بالبوتكس وعمليات النفخ والشد، حققت من هذه الفروق 10 ملايين دولار أرباحاً صافية، تمكّنها أن تمضي حياة باذخة مع المزيد من الأزواج بعد أن حطمت رقماً قياسياً بالزواج من 7 رجال خلال عقد !

كارتل يتحدى تروست هوليود !

منذ شهرين انضمّ كارتل نِتفليكس إلى أكبر تروست سينمائي في هوليوود وهو Motion Picture Association of America (MPAA)  ليكون بذلك أول شركة انترنت لا تملك ستوديوهات تنضم إلى تروست هوليوود البالغ من العمر 97 عاماً! هذا الاختراق الفني الباهر تحقق بعد أن طوّرت خدمة بث الفيديو نفسها لتصبح منتجاً فنياً عملاقاً، يتمتع بماركة مسجلة محمية بمائة مليون دولار.

في 17 كانون الثاني/ يناير 2019 حصل إنتاج ِتفليكس على خمسة عشر ترشيحاً للأوسكار، من بينها ترشيح لجائزة “أفضل صورة في فيلم” عن فيلمهم الشهير Roma حول الحياة في البرازيل في سبعينيات القرن العشرين، الذي عرض بالأسود والأبيض! الرقم والمعلومات تبدو مذهلة لشركة عمرها اثنتي عشر سنة ولم يسمع عنها كثير من المختصين بفن السينما، حدث ولا حرج عن عامة المتابعين.

بالنسبة لستوديهات عريقة مثل سوني وفوكس، يُعد هذا النجاح المبكر إنذاراً بأنّ الفن الرقمي والاعلام الرقمي والصحافة الرقمية، تزحف بقوة لتقضي على ما يعرف بال “مين ستريم ميديا” وعلى صناعة السينما المعروفة وعلى الصحافة والمجلات والكتب الورقية.

من يصفون عالم هوليود بأنّه عالم ماسي باذخ، عليهم أن يراجعوا حساباتهم، فالأرباح في عالم نتفليكس مليارية وليست مليونية.

مسلسل Breaking Bad رسخ مكانة نتفليكس

البداية بالفن المتواضع !

قبل أن يتسلق الذروة، انتج وعرض نتفليكس مسلسل “بريكنغ باد” الذي انطلق عام 2008 واستمر حتى عام 2013، تألق فيه براين كارستن والشاب آرون باول والشقراء أنّا غَن، وكلهم باتوا قمماً بفضل أدوراهم في المسلسل، واتقن الممثلون أدوارهم لدرجة باهرة، حتى أنّ “أنّا غَن” اضطرت لنشر مقالٍ في مجلة نيويورك تايمز دافعت فيه عن نفسها أمام حملة كراهية المشاهدين التي استهدفتها، وأعلنت لهم أنّها مثلت دور سكايلا الخائنة الأنانية، ولم تعبّر عن رأيها في الشخصية أو تتبنى مواقفها.

ولكن كارتل نتفليكس بدأ يتسلق سلم المجد في عام 2013 بعرض مسلسلات وأفلام متوسطة المستوى، لأنّ أفلام الخط الأول ومسلسلات المشاهير كانت تطالبهم بسهم أرباح قد يقضي على كل مكاسبهم، وهكذا التزموا بعروض المستويات الوسطى، منتخبين منتجات حظيت بحجم مشاهدة كبير في أماكن مختارة من العالم.

وما أن ارتفع عدد المشتركين، حتى تضخمت موارده، وبدأ الكارتل ينتج أفلاماً وبرامجاً ومسلسلات لحسابه، خارج ميادين السينما والتلفزة المعروفة القوية. ثم تعزز ذلك، حين ضم الكارتل إلى كادره أفضل المنتجين ومدراء الانتاج والمخرجين وحتى النجوم المشاهير الذين تخصصوا على مدى عقود في صناعة السينما والتلفزة.

كارتل نِتفليكس يستجيب اليوم بلا تردد لأي ميزانية يطلبها منتج أو مخرج أو نجم. وصارت قائمة الكاستنغ التي تظهر بداية ونهاية كل فيلم تضمُّ أسماء عملاقة. وافتتحت انتاج مسلسلاتها التلفزيونية بمسلسل “هاوس أوف كاردز” الأسبوعي الذي احتل الشاشات الفضية حتى عام 2018، راوياً على مدى خمس سنوات قصة انتقام سيناتور أمريكي وزوجته الساحرة من أعدائهم، بعرض شد المشاهدين بشدة. أبطال المسلسل من نجوم الشاشة الفضية والسينما، وهم كيفن سبيسي، ميشيل غِل و روبن رايت. المسلسل أصاب هوليود وكل تروست السينما الأمريكية بالذهول. فأعداد المشتركين لدى كارتل نتفليكس ارتفعت مع عرض انتاجهم الأول بنسبة 500 بالمائة! و جرى نفس الأمر مع عرض الانتاج التالي Scandal الذي انتج بميزانية مليارية وحقق أرباحا مليارية على مدى خمسة أعوام ، وقصته مبنية في الأساس على حياة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الأبن.

انتاج نتفليكس ستقطب نجوم القمة، في الصورة النجمة ميريل ستريب

اختصار المعادلة إلى (منتج – مستهلك)!

ميزة نتفليكس كمشروع اقتصادي أنّ تزايد حجم الاشتراكات المدفوعة شهرياً والمستمرة، يؤمّن له مصدراً مالياً شهرياً أشبه بمصدر الوظيفة الثابتة، وهو ما لا تملكه صناعة السينما في هوليوود وتروست السينما الدولي، حيث إنّ العائدات تتحقق بعد العرض، وتبقى تتناقص مع تقادم العرض، وهو ما لا يؤمن للشركات المنتجة مصادر دخل ثابت ويحدد إلى حد كبير مواردها لمزيد من الانتاج. والحقيقة إن أصول عمل وآليات ولوغارتمات التأهيل الرقمي التي يتبعها نتفليكس هي نفسها التي يعمل وفقها أمازون الذي بات امبراطورية تجارية لا تقهر.

هاتان الشركتان تؤسسان علاقة مباشرة بالمستهلك شخصياً وهو جالس في بيته ينظر الى شاشة صغيرة أو كبيرة أمامه، أينما كان دون أن يحتاج الى السفر للحصول على بضاعته، وبذلك اختصرتا المعادلة من (منتج- ناقل- تاجر جملة- تاجر مفرد- مستهلك) إلى معادلة مبسطة قوامها طرفان (منتج – مستهلك) مباشرة، ما وفر لهما منصات بيع شاسعة النفوذ.

نِتفليكس عندها اليوم 150 مليون مشترك، وتشير التوقعات إلى أنّ الرقم سيصل إلى مليار مشترك خلال عشرة أعوام. تخيّل مليار مشترك يدفع كل منهم 12 دولار، هذا يعني أن الشركة يدخل لها 12 مليار دولار كل شهر !! رقم خرافي حقاً.

وللتعريف فحسب فإنّ بعض المسلسلات التي أحرزت أعلى درجات مشاهدة في نتفليكس هي:

Chef’s Table

House of Cards

مشهد من مسلسل Assassination of Gianni Versace ، قصة مثلي الجنس يتحول إلى قاتل، انتاج ناجح من نتفليكس عام 2018

وقد لايجدها المتابع في بلده اليوم، لأن البرامج والأوليات تتغير باستمرار.

أما الأفلام التي حظيت بأعلى أعداد مشاهدة وبعضها حصدت جوائز أوسكار فمنها:

Braveheart

The Usual Suspects

فيما تضم قائمة أفلام ديزني والرسوم المتحركة “انيميشن” من انتاجهم التالي:

Attack on Titan

Sword Art Online

أما قائمة الوثائقيات والعلمية وخيرتها من انتاجهم الذي عززته طائرات التصوير المسيّرة درون فتتربع على قمتها:

Planet Earth

The Hunt

الوصول إلى هذه الأفلام بتنوعها يحتاج مزيداً من الوقت إذا كنا نتحدث عن سبيل البحث التقليدي، لكنّ تقنيات نِتفليكس تُزاوج خوارزمياتها بمحرك البحث غوغل وتعرض على شاشة التلفزيون نفسها تصنيفات مثل: قائمتي المفضلة، وثائقيات، أنيميشن، دراما، أكشن، مسلسلات، أطفال، وتصنيفات أخرى، وما على المشاهد سوى التصفح مباشرة على شاشة التلفاز للوصول إلى ما يهوى. طبعا على فرض أنه يملك ثقافة سينمائية تلفزيونية، وهذه مسالة أخرى، وفي حال أنّه لا يملك تلك الثقافة، فإن نِتفليكس يضع أمامه كابشونات أفلام شهيرة مصورة وفيها كلمتان توجزان المضمون مع الصورة، وأسماء الابطال ما يعفيه من البحث، وكل ما عليه أن يضغط على الفيلم الذي يريد، ثم يضغط خيار OK على الريموت كونترول، ويتمتع بالعرض.

مع كلّ هذه المرونة، وبوجود جهاز تلفاز ذكي بشاشة 55 إلى 75 بوصة في بيتك، تُصبح زيارة دور العرض السينمائي ترفاً لا معنى له، أما في الدول التي هجرت دور العرض ومنها العراق، فإنّ دور العرض ستنتقل بكرم باذخ – نهائياً أو على الأقل حتى إشعار آخر- إلى بيوت الناس عبر الشبكة العجيبة نِتفليكس.

ملهم الملائكة

تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

مقالات ذات صلة

حادثتان غريبتان

حادثتان غريبتان

بقلم الكاتب والباحث محمد حسين صبيح كبة تمهيد في هذه المقالة / البحث سأقوم بذكر حادثتين غريبتين مرتا بي ثم اقوم ببعض التحليلات. المتن ألف- الحادثة الأولى: كنت في عمان الأردن أتابع التلفاز على إحدى القنوات الفضائية التي كانت مسموحة في الأردن وغير مسموح بها في العراق إلى...

قراءة المزيد
السلامة من الحرائق في المنزل – الحلقة الثانية

السلامة من الحرائق في المنزل – الحلقة الثانية

أ. صباح علو / خبير السلامة اًولاً: تدابير السلامة التي يجب أن تتوفر في منزلك هي: طفاية حريق متعددة الأغراض (بودرة - ثاني أكسيد الكربون) ولابد من ملاحظة الآتي: -   وضعها في مكان بارز يعرفه جميع أفراد الأسرة وبشكل رأسي. -   وضعها في مكان لا يمكن الأطفال من العبث بها. -...

قراءة المزيد
السلامة المنزلية (الجزء 1)

السلامة المنزلية (الجزء 1)

سلسلة مقالات بقلم صباح رحومي السلامة هي العلم الذي يهتم بالحفاظ على سلامة الإنسان، وذلك بتوفير بيئات عمل وسكن آمنة خالية من مسببات الحوادث أو الإصابات أو الأمراض من خلال سن قوانين وإجراءات تحث على الحفاظ على الإنسان من خطر الإصابة والحفاظ على الممتلكات من خطر التلف...

قراءة المزيد

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *