تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

صداقة فيسبوك في الميزان!

مارس 27, 2021 | 0 تعليقات

أغلقت س. ج اللاب توب، ورقدت على سريرها ترد على الاتصالات على مسنجر وواتس آب. صداقات فيسبوك ترافقها حتى في فراشها، بل هي كل حياتها.

تملك س.ج 5 آلاف صديق على فيسبوك، و200 ألف متابع وكان هذا سبباً كافياً لانفصالها عن زوجها كي تتفرغ لفيسبوك ويوتيوب، فهي تنزل فيديوهات على يوتيوب تصل أعداد الإعجاب بها الى مئات الالوف، ما يجعلها تحثّ الخطى لإرضاء الجميع وحصاد اللايك وتعليقات الإعجاب. وتفاقم الأمر معها، حين انتشر حسابها على واتس آب وعرفه كثيرون، فباتت تتلقى مئات الرسائل والصور يوميا.

يبلغ وزن س.ج اليوم 80 كيلوغراماً وهي ما زالت دون الثلاثين من العمر وطولها 162 سم، وقد سألتها مرة على مسنجر كم ساعة تقضي في اليوم مع وسائط التواصل الاجتماعي؟ فقالت إنها تملك لابتوب وتابلت وهاتفين ذكيين، وكل البرامج عليها تشتغل بشكل مستمر، مرجّحة أنّها تقضي في المعدل 10 ساعات في اليوم مع وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنّها استدركت أنّ هذا ليس ثابتا، فهي تقضي شطرا طويلا من الليل احيانا في التفاعل على تلك الوسائل. ثم عدت أسألها، كم صديقاً حقيقا تملك، فأجابت: ” أنا مقيمة في قرية صغيرة قريبة لمدينة أوروبية تكللها الثلوج أغلب السنة، وبالتالي فإنّ كل صداقاتي على فيسبوك وواتس آب، الحقيقة أنني لا أعرف أحداً في قريتي ولا المدينة لأنني قليلة الخروج اليها”.

هكذا تعيش س.ج وسط آلاف الناس وهي وحيدة، وهذه حالة ليست نادرة، بل تهدد نسيج الحياة الاجتماعية الحقيقية لكل مستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي وعدد مستخدمي فيسبوك منهم حصرا يزيد عن 2 مليار مستخدم.

صداقات العالم الافتراضي

صداقة فيسبوك مجانية!

صداقة فيسبوك سريعة سهلة وغير مكلفة، بل هي مجانية، والشيء المجاني في كثير من الثقافات غير جدير بالعناية والتقدير. المدمنون على استخدام فيسبوك خاصة تنتابهم حالة شبه مرضية تتجلى في نزوعهم المستمر الى حصاد اللايك والتعليقات، ما يجعلهم يراقبون نشاط حساباتهم بشكل مدام. الى هنا قد يبدو الموضوع طبيعيا لا غبار عليه، لكنّ الأخصائيين يرون أنّ هذا بداية عارضٍ مرضي، وبهذا الخصوص تحدثت الصحفية سمر كرم المتخصصة في وسائل التواصل الاجتماعي الى صحيفة العرب كاشفة أنّ “هناك علاقة بين استخدام فيسبوك وافراز دوبامين، وهو انزيم يعطي إحساسا بالسعادة، ويفرز في الجسم عادة عند تناول الكحول والسكائر، أنه سبب لإدمان حقيقي” .

لكنّ المشكلة التي قلما ينتبه لها الناس هي أنّ فيسبوك ينزع عنا صداقاتنا الحقيقية، كيف هذا وهو الذي يجمع المتباعدين ويعيد لحمة صداقات تلاشت وتآكلت عبر الزمن وظروف الحياة؟

الإجابة متشعبة، فهذه الوسيلة السحرية التي لم يخطر قط في وعي البشرية منذ الخليقة امكانية التوصّل إليها، تغيّرُ كلّ شيء حولنا  وفي ذواتنا. أصدقاؤنا المقربون الحقيقيون، موجودون معنا على فيسبوك، ونراهم ونطّلع على فعالياتهم وتنقلاتهم وانجازاتهم وحياتهم عن كثب في كل دقيقة. فصديقي حسن الساكن في استراليا، يضع صورة لبيته وما أجراه من عناية في حديقته قبل قليل، ويكون بوسعي وبوسع مئات من أصدقائه عبر العالم أن يعرفوا عنه كل هذه التفاصيل، فيما لم يكن متاحا لي قبل هذه الوسيلة حتى أن أرى بيته حين عرفته قبل 35 عاماً، فقد كان يسكن الموصل وأنا كنت أسكن بغداد.

 هذا مجرد مثال من آلاف الأمثلة، لكنّ هذا التقارب الصميمي العابر للزمن والمسافات والمكان له أضراره، إذ لم يعد أيّ من أصدقاء حسن بحاجة الى رؤيته وجها لوجه وهم يعرفون عنه كل ما يهمهم. والأمر يتوالى بهذا الشكل بنسب متفاوتة مع الجميع. وبهذا تبقى صداقة فيسبوك فيما تذوى الصداقة الحقيقية. 

فيسبوك في أغلب أنحاء العالم يقلل مستوى علاقات ذوي القربى، وهكذا فإنّ أغلب الناس لا يقبلون كل أقاربهم على فيسبوك بعد ما كشفت لهم هذه الوسيلة أنّ رابطة الدم لا تعني بأي حال أنّ ابن عمك وابن خالتك يشبهانك؟

العالم الافتراضي يشغلنا عن العالم الواقعي

مساحة معرفة موسوعية لم تعرفها البشرية منذ بدء الخليقة!

هذا الكشف المعرفي الموسوعي عن دواخل نفوس الناس، يجعلنا ننأى بأنفسنا غالبا عنهم، ونرفض أن نكون قربهم بشكل مستمر خوفا من أن يرون دواخلنا كما نرى دواخلهم، وبالتالي فإنّ فيسبوك سلاح ذو حدين بحق الصداقة.

وبواسطة فيسبوك وقدراته التقريبية المرعبة، تمكنت من كتابة هذا المقال، وحصلت على تعليقات وآراء من مختصين وصحفيين، ومن أشخاص آخرين يمكن اعتبارهم ممثلين عن الرأي العام، وهذه الميزة لم تكن متاحة من قبل، فقد تحوّل فيسبوك الى وسط حيوي يمكن أن تعمل فيه كل شيء تقريبا، ولكنّ ذلك يعتمد بالطبع على كيفية استخدامه، وقد علّق الصحفي والاعلامي ياسر أبو معيلق على هذا الموضوع بالقول” رأيي الشخصي… فيسبوك بدأ كوسيلة للتواصل مع أصدقاء الوطن ومن تفصلنا بينهم مسافات جغرافية شاسعة. كي نتواصل ونطلع على أخبارنا اليومية. لكن مع دخول فيسبوك النطاق الإعلامي والتجاري، بات عبارة عن منصة مفتوحة وحرة وآمنة – نسبياً – لتبادل الأفكار وحتى نشرها. فطلب الصداقة على فيسبوك لا يتطلب أكثر من ضغطة زر، بينما بناء صداقة حقيقية يتطلب سنوات من التواصل الدؤوب.
أنت الآن تستفيد من فيسبوك لبناء مقال وسبقه أيضاً مقالات استندت فيها إلى آراء أصدقائك في فيسبوك. بالنسبة لي هو الآن أصبح أداة عملية أكثر منه وسيلة للتواصل”.

وهو رأي فيه كثير من الحقيقة، ولكنّ آخرين قد لا يتفقون معه، فقد علّق عماد الدراجي “أغلب الصداقات في الواقع تكون مفروضة بحكم العمل المشترك او الغربة او الجيش وحتى الجيران والأقارب اكثرهم يفرضون فرض. اما الفيس فيوجد مجال كبير للاختيار والرفض ايضا”.

فيما أشار الناشط على فيسبوك منتظر الفاضلي الى أنّ “اضافة الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي محكومة بالبداية بمكان الدراسة اولا ثم العمل ثم بعد ذلك يأتي موضوع الأيديولوجيا إذ لا يمكنني كشخص اضافة اطراف معنية لأسباب كثيرة منها الاسباب الامنية بحكم مكان سكني و خطورة حرية الكلمة على مصالح البعض الا ان الظريف في الموضوع هو اتفاق 99.99 بالمئة من العراقيين على حظر اقاربهم على فيسبوك خصوصا لانهم كأبراج المراقبة المتنقلة .عن نفسي اعتبر فيسبوك المتنفس و المهرب من الواقع البائس و النافذة المجانية المتاحة على العالم و الحائط الخاص بي للنشر و سهولة التواصل مع الاصدقاء المنتشرين في اغلب محافظات العراق و هو لا يغني عن الصداقة الحقيقة لانهم هم اصدقائي الفعليون الا القليل النادر ! ومن السهولة كتابة شيء على قوله مباشرة في بعض الأحيان “.

الصداقة الحقيقية كالكتاب والصحيفة الورقية…تحتضر !

شخصياً أرى أنّ فيسبوك في المدى البعيد، سيقضي على علاقات الصداقة الحقيقية، فأنا اليوم لا أميل الى تكرار لقاء الأصدقاء الذين أعرفهم حقا  والموجودين معي على فيسبوك لأني لا أرى عندهم جديدا يشجعني على اقتطاع وقت للقاء بهم، وهو حال كثير من الناس. كما أنّ فيسبوك كما يراه كثيرون مكان يعرض فيه الناس أحسن ما عندهم وقد لا يكونوا يملكونه أصلا، فمن السهل على أي شخص أن يعلّق مقتطعا (سارقاً) من النت على لوحة فنية متصنعا مشاركتك التذوق، لكنّه في الحقيقة لا يملك أي معرفة أو ذائقة فنية. وهذه المثالية الفسيحة قد لا تتيحها علاقات الصداقة الحقيقية. وفي هذا الخصوص علّقت خلود جادر “الصداقة الفيسبوكية هي صداقة افتراضية مبنية على تبادل أفكار وكثيرون من هم يتصنعون ما ليس بهم كون ان اللقاء والعشرة لا تتم لهذا هي لا تأخذ الا واحد بالعشرة من مكونات الصداقة بمعناها العميق. وكما نعرف المثل الذي يقول الصديق وقت الضيق فهل صداقة الفيسبوكية قادرة ان تتبوأ هذه المكانة، بالطبع لا، لهذا انا اعتبر الصداقة هي التي بُنيت على التعامل الحقيقي والتوافق الفكري واللغة المشتركة والمعايشة”.

واقترب من هذا الرأي الكاتب والباحث الاكاديمي أحمد خالص الشعلان “الصديق الافتراضي ليس كالصديق الحقيقي، كلنا نلبس أقنعة بهذا القدر أو ذاك! الصديقي الافتراضي لا يرى منك سوى ما يوازي العشر الذي يطفح فوق سطح الماء من جبل الجليد، أما الصديق الحقيقي فبالعكس يرى العشر الذي فوق الماء و معه خمسة أو ستة أعشار مما خفي تحت سطح الماء”.

يتفاعل اغلب الناس مع العلاقات الافتراضية اكثر من تفاعلهم مع العلاقات الحقيقية

مهما تسامت صداقات فيسبوك فهي افتراضية فحسب!

أما الناشط أدوارد بيباوي فعلّق بالقول “فعلا نقضي وقتاً طويلاً مع أصدقاء وسائل التواصل الاجتماعي، نحاورهم ونجاملهم، وقد نلتقيهم في الحياة ولا نعرفهم إلا من أسمائهم، ولكن الصداقة الحقيقية لا تموت أبداً، تماماً كالجريدة الالكترونية لا تسعدك كما كانت الورقية التي تلمسها تشم رائحة الورق والحبر وتقلب صفحاتها بيديك ، تحتفظ ببعضها في أرشيفك ، وتعود اليه كلما دعت الحاجة، وهي ايضاً كالكتاب تقرأه وتحافظ عليه وتوقره بمكان مميز في مكتبتك وتنظر اليه من وقت لآخر فنفرح به كطفل وليد في بيتك تداعبه من وقت لآخر”. وفات السيد بيباوي أنّ الصحافة الورقية والكتاب الورقي تسير نحو الانقراض، فهل تسير الصداقة الحقيقية هي الأخرى الى انقراض محتمل بسبب قوة وتنوع ومساحة الصداقات الافتراضية ؟

وجاءت آراء كثيرين في صالح الصداقة الحقيقية معتبرين أنّ الصداقة الافتراضية تفتقد الكثير والى ذلك علّق الكاتب أياد لطيف” المعدنه ذهب يبقى ذهب اينما كان والبقية عندك !”، فيما علّق الناشط على فيسبوك عبدالله فوزي بنفس الاتجاه مشيرا بالقول “الصداقة الحقيقية عمرها ما تموت والصداقة المجانية الي هي بفيس بوك ما تلهيك عن أصدقاءك الحقيقين بس الشي ألي يشغلك عنهم هو عملك يمكن او هواي أشياء تحكمك مثل العائلة بس “متكطع دوم يعني كولش” لا لازم تتواصل ويه الصديق الحقيقي وأكو هواي ( كثير) أمور إيجابية وسلبيه تكسبها من صداقات الفيس بوك ومعلومات يعني أحيانا هذه الصداقة المجانية تكون ذَو مكسب وأحيان لا “.

أما الباحث هشام العلي ففسر صداقات فيسبوك باعتبارها علاقات سريعة غير مجدية غالباً” أغلب الصداقات تحمل في طياتها مصالح مشتركة تتركز على الاعجاب والتعليق من اجل الانتشار الدي يروي غريزة حب الشهرة والتألق، لكني من خلال تجربتي وجدت انه من بين 1000 صديق هناك 10 اصدقاء تقريبا اشعر معهم بصداقة حقيقية اقوى من رابطة فيسبوك كوني وجدت فيهم صفات تلائم توجهاتي أو خفة دم أو ربما اشياء أخرى” . وذهب الى نفس الرأي رواء حمدي رشيد “لا يوجد ادنى مقارنة بين الصداقة الحقيقة على ارض الواقع والصداقة على الفيس للأسف اغلب صداقات الفيس تبنى على المصالح بحيث يثق طرف منهم بالآخر ظنا منه بأنه اكتسب صديقاً حقيقياً لكنه ينصدم بأنه كان مخطئاً بإعطاء هذا الشخص لقب الصديق”.

فيما اعتبر د.مصطفى أنّ “الفضاء الافتراضي عمومآ هو فلسفة معقدة بعض الشيء، ممكن يكون صداقة أفضل من صديقك الواقعي في الحياة . يكون العكس. أو يكون موازن بين الافتراضية والواقعية هذه حسب تفكير ورؤية صاحب الصفحة”.

الصداقة الحقيقة مكلفة وتتطلب وقتاً لا نملكه!

من جانبه، رجّح الناشط المدني رياض البغدادي أنّ” الحديث مع أصدقاء العالم الافتراضي يعطي آفاق للحرية في الطرح اوسع من الحديث مع الصديق في العالم الواقعي عندما تتحدد حريتك بنظراته وملامح وجهه التي تتغير في كل كلمة تنطقها”.

كل هذا الجدل لا ينقض حقيقة أنّ المتبقي من وقتي ومن مساحة علاقاتي المرتبطة بالعمل والتزامات الأسرة لم يعد يتيح لي فرصة لقاء الأصدقاء الحقيقيين على فنجان قهوة، أو لمشاهدة فيلم أو مسرحية الا في فترات متباعدة، ولماذا نذهب الى فيلم إذا كنّا نملك تقنيات الاشتراك الحديثة ” أمازون فاير تي في ستك” مثلاً وغيرها، وهي تتيح للمرء أن يشاهد أيَّ فيلم حديث في بيته على شاشة سمارت تي في، ويحاور الأصدقاء خلالها على مسنجر فيسبوك أو على واتس آب، وكل ذلك سيكلفه أقل من دولار واحدٍ، ولنقارن ذلك بتكاليف لقاء صديق والخروج الى السينما وبعدها الى العشاء!؟

 كل شيء متصل ويصب في عالم السايبر، نحن معاً دائماً على الفضاء الافتراضي لكننا لسنا قرب بعضنا لمساً وأنفاساً وروحا قط ! معادلة تضع كل العلاقات البشرية بما فيها الصداقة على شفير الانهيار أو التجدد الافتراضي.

ملهم الملائكة

تابعني

روابط مهمة

مؤلفاتي

مقالات ذات صلة

السلامة من الحرائق في المنزل – الحلقة الثانية

السلامة من الحرائق في المنزل – الحلقة الثانية

أ. صباح علو / خبير السلامة اًولاً: تدابير السلامة التي يجب أن تتوفر في منزلك هي: طفاية حريق متعددة الأغراض (بودرة - ثاني أكسيد الكربون) ولابد من ملاحظة الآتي: -   وضعها في مكان بارز يعرفه جميع أفراد الأسرة وبشكل رأسي. -   وضعها في مكان لا يمكن الأطفال من العبث بها. -...

قراءة المزيد
السلامة المنزلية (الجزء 1)

السلامة المنزلية (الجزء 1)

سلسلة مقالات بقلم صباح رحومي السلامة هي العلم الذي يهتم بالحفاظ على سلامة الإنسان، وذلك بتوفير بيئات عمل وسكن آمنة خالية من مسببات الحوادث أو الإصابات أو الأمراض من خلال سن قوانين وإجراءات تحث على الحفاظ على الإنسان من خطر الإصابة والحفاظ على الممتلكات من خطر التلف...

قراءة المزيد
عوالم السينما الخفية

عوالم السينما الخفية

الكاتب والباحث محمد حسين صبيح كبة تمهيد:  هذه الوريقات هي محاولة لسبر أغوار عوالم لا نعرف كنهها بدقة عالية. السينما هي فن نستمتع به في أحايين وندرس عن طريقه أحايين أخرى وأشياء أخرى لكننا لا نعرف كنهه بالضبط والدقة. وهذا يعني انها قد تكون مثل الكهرباء الذي لا نعرف كنهه...

قراءة المزيد

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *