بقلم محمد حسين صبيح كبة
ما زلت أتذكر المصيبة التي حلت بي عندما كنت في الثالثة من عمري. حصلت في عيد ميلادي على هدية هي لعبة في حقيبة صغيرة طبية لكي أعرف ولو النزر اليسير من أمور الطب. بعدها بيومين لا أكثر بدأت المشاكل.
كنا نسكن قرب مكان فيه الكثير ممن لا يعرفون أصلا القراءة والكتابة قبل أن يسمى المكان “زيونه”. كان مكان ما زال يسكنه بعض من لا يملكون أي وثيقة تثبت ملكيتهم للمكان فما بالك أماكن أخرى قريبة من المكان.
المهم جاءني أحد الذين كانوا في المكان قبل أن يصبح حيا راقيا من أحياء بغداد الراقية وأنا ألعب في حديقة بيتنا ولوحدي بعيدا أصلا عن لعبة الحقيبة قائلا لي لدينا مشكلة طبية فأجبته اذهب واتصل بطبيب فقال لي ولماذا أتصل بطبيب وأنت موجود. هنا بدأت المشكلة حينما أخبرته أني لست كذلك. بعدها بدقائق لا غير تجمهر عدد من الناس في باب البيت وهددوني أنّ علي ان أذهب معهم لأن لديهم مريض وأنه يجب أن أجلب الحقيبة إياها. أقسمت لهم وحلفت بألف أيمان أني لست طبيبا فلم يصدقوني وهددوني هذه المرة بالقتل. أردت فقط أن أخبر أمي أني ذاهب معهم فلم أفلح بل وكانت الحقيبة بيد أحدهم ولا أدري كيف حصل عليها.
بعدها حاولت أن أحل الموضوع برمته بشكل حاسم. لقد قلت للمريض أن عليه أن يغتسل وقلت له لماذا لا تأكل أكل أمك عندما علمت أنه لا يفعل وعدت للبيت وأنا حافظ ما به من الم ومع بعض المساعدة من الكبار وأنا أعلم أن دليل الهاتف به قسم كامل عن الأطباء والطبيبات واختصاصاتهم استطعت من الاتصال بطبيب معين له تخصص المرض المعني للشخص وشرحت له الأمر أخبرته به وبعنوان المريض.
وهكذا حلت أول مشكلة. لكن هذا جلب لي المزيد من الرغبة. وهكذا أصبحت إما أن أتصل بالطبيب المعني وإما إذا ما فهمت أن المقابل فيهم من يفهم بعض الشيء أعطيهم رقم الهاتف المعني.
ولهذا السبب ووقتها لم أك أعلم السبب في عدم اجابة بعض الأطباء على الهاتف، بالذات في منتصف الليل، لأنهم يعلمون أن هذا من معانيه أن عليهم أن لا يناموا الليل بطوله بينما قد يكون هناك شخص آخر طبيب موجود. خذ في ذلك أمر الأطباء الخفر في المناطق النائية كيف يأمن الطبيب أنه لن يقتل في منتصف الليل إذا ما أستجاب لأمر ما وكيف أصلا يستطيع أن يحصل على كفايته من النوم في مكان ليس فيه سواه بالعادة وفي أحسن الأحوال طبيب آخر يتبادلان الخفر بينهما ويتبادلان أعباء النهار في مكان ليس فيه طبيب بالعادة.
أنظر هنا السؤال المحير هل يستسلم الطبيب لإغفاءته أم يقوم بالواجب ويذهب في اليوم التالي لعمله نصف نائم بالذات أنه لا يوجد غيره وربما مع طبيب آخر، إن وجد، في المكان النائي.
وفي مسلسل عراقي حدث نفس الشيء أن الطبيب المعني أخذ بالقوة لمعالجة مجرم معين، ومن هو المجرم أصلا، هل هو معارض سياسي أم مجرم القتل والسرقة والنهب والباطل، هنا هل على الطبيب أن يبلغ السلطات أم لا يبلغ خوفا على نفسه. وفي المسلسل العراقي هذا يطلب منه الممرض الذي شاهد أمر الأخذ أن يبلغ وبدلا من أن يشكر الطبيب الممرض يغضب بوجهه أن هذا ليس من شأنه وأنه أعلى منه ويفهم أكثر كأن التمريض ليس اختصاص هو الآخر فما بالك بقية أنواع الطب والصيدلة والتي تتراوح ما بين عام وتشخيص واستشارة وناطورجية وسكرتير وإدارة طبية وتمريض وغرفة قيادة الإدارة وغرفة قيادة العمليات وغرفة قيادة المستشفى والعلاج عن بعد والصيدلة وتركيب الدواء وبحوث الدواء والقانون الطبي وغير ذلك كثير فما بالك تخصصات الأطباء أنفسهم ما بين عام، وأسنان، وأنف، وأنف وأذن وحنجرة، وأعصاب، ودماغ، وجراحة، وباطنية، ودم، وعظام، وأجهزة تنفسية، وهضمية، وعظمية، وقلبية، ودموية، وعضلية، وغير ذلك كثير. فما بالك أمر البحوث الطبية والهندسة الصحية بأنواعها وبناء المستشفيات والعيادات والمستوصفات الطبية وغير ذلك كثير.
حاليا أنا شخص لديه معلومات طبية من واقع دراستي وتخصصاتي لكني لا أعطي وصفات ابدا فهذا ليس من عملي رغم علمي ببعض الأمور الاعتيادية من واقع خبرتي.
ولقد استفدت من أمري هذا الذي منذ الصغر فقمت في سنين معينة من حياتي بوضع بعض الاختراعات الطبية منها أمر الشاشة التي بعد الفحص بالأشعة السينية وكيف يمكن وضع عليها الأصول المختلفة بالأنواع المختلفة لأغراض المقارنات مع الصور وكيف أنها تختلف عن العدسة فواحدة منها الأصول للخلف وواحدة منها الأصول للأمام. وواحدة منها مفصلة بينما الأخرى مختصرة. وأما أمر الهندسة الصحية فواضح أن العبارة تختلف عن العبارة الطب الهندسي.
فالأولى هي عن أجهزة طبية عالية الجودة لحدود صغر وكبر معينات منها مثلا جهاز الفحص بالرنين المغناطيسي وكيف يجب أن يكون دقيقا وبه كل الاحتمالات الواصلين لها مع ملاحظة التطويرات في المواضيع. بينما العبارة الأخرى هي عن أمر هندسي فيه الكلمة الترجيحية هي الهندسة وواضح أن الأمر معالجة الاختلالات التي تحصل بعد التصميم وبعد التنفيذ أو أثنائهما وكيفيات معاجلة وبناء الشفاء في التصميم والتنفيذ الهندسيتين.
نعم أحلم أن أكمل الطب ذات يوم ولو بتخصص معين حتى إذا ما كان عمري سيصل لأكثر من ألف سنة فمما يعني ذلك أنه لدي الوقت الكافي لكي أصبح طبيبا فمنا بالك تخصصات الهندية الصحية والطب الهندسي. لكن ماذا عن الممنوعات. من أطرف أنواع الممنوعات أمر أنه “لا يحكمهم إلا أوسطهم”. وأنا لا أدعي في ذلك عن نفسي ولا فخر لكن هذا من أشهر أنواع المنع عن أخذ الشهادة الطبية.
هنا للأمر فصل وفصل آخر الأول فيما إذا كان مستوى الوسط للشعب المعني أنه أقل من شهادة الصف الأول إبتدائي مما يعني منع أخذ الشهادة الطبية للحاكم لأنه حينها لن يكون أوسطهم. نعم قد يكون حكيما وقد يسمح له بأخذ بعض أنواع البكالوريوسات والليسانسات لكن ليس الطبية بأنواعها فما بالك شهادات الدكتوراة حتى لغير الأطباء.
والثاني أن القوم والشعب معدل معرفتهم وأوسطهم هو شهادة الدكتوراة أو على الأقل الماجستير والأقل البكالوريوس، فما بالك في الطب، هنا على الحاكم حتى إذا ما لم يكن حكيما أن يأخذ على الأقل شهادة طبية واحدة فما بالك أكثر من واحدة في حال أن الشعب جد متقدم ومتطور.
هذا النوع على الأقل أعرفه فما بالك أنواع أخرى عديدة منها ومع الأسف واحد مزعج ألا وهو أمر أنه الشخص المعني لا يتوسم فيه الخير والصلاح بل معروف عنه أنه سيستغل درجته المعرفية أسوأ استغلال هنا الأمر الواضح هو أنه من البداية منعه من أخذ الدرجة العالية. هناك أيضا أمر محو الأمية الشهير.
في مفارقة رهيبة أيام محو الأمية أنه ظهرت للعلن رواية للأطفال عن ولدين أحدهما يتضح لنا من سياق القصة أنه من حضارة بابل بينما الآخر من حضارة العراق زمن محو الأمية. ولا أفهم كيف تجرأ مؤلف أو مؤلفة الرواية بأن ينشرونها في زمان ومكان محو الأمية.
يبدأ الأمر بأن يشرح الولد من حضارة محو الأمية للولد الذي من حضارة بابل كيف أنه التعليم بحسب الدكتور طه حسين كالماء والهواء وأنه يجب أن يكون للجميع وأنه حق من حقوق المواطن. وبعد قليل يأخذ الولد الولد الآخر إلى درس من دروس محو الأمية وكيف أن الموجودين في الصف هم من الكبار ومع ذلك يتعلمون بشغف منقطع النظير أمر ما فاتهم من التعلم.
بعد قليل يقوم الولد الآخر بأخذ الولد الذي من حضارة محو الأمية إلى بابل إلى غرفة درس فيها لا يزيد عدد الطلاب عن 30 طالبا قائلا له هؤلاء فقط من كل حضارة بابل هم من سيأخذ الدروس لأنهم كلهم موعودين بأخذ مناصب عالية في القصر وفي البلاط ونحن لسنا بحاجة لسواهم في أمر التعلم هذا وكيف أن التعليم فقط للنخبة ولمن يتوسم فيهم من النخبة الخير والصلاح لا غير وكيف أنهم لا يؤمنون بمبدأ أن التعليم كالماء والهواء لأنهم أصلا ليسوا بحاجة لذلك. تنتهي القصة عند هذا الحد لحد تذكري بحيث أن كلا الطرفين لديه وجهات نظره.
هذه هي لبة الفرق ما بين العصور الحالية والحضارات الحالية التي توفر التعليم المجاني للصغار فما بالك تعليم الكبار بينما في العصور والحضارات القديمة من مثل بابل التي لا يوجد فيها مثل هكذا أمر.
ونجد أنه في العصور القديمة من مثل حضارة الإغريق كيف أن أثينا المعبودة هي من تعلم قومها صناعات الفخار وزراعة الزيتون وعمل أدوات المطبخ والمواقد وطرقات الزراعة وبعض من طرقات التجارة والصناعة التي يحتاجونها لكي يكونوا أثرياء ومع ذلك هذا فقط للقوم وليس لمن أثينا هي عليه مسيطرة.
أتذكر الأمر جيدا كنت في حديث مع شخص صديق جزائري نتحادث حول كيف أنه لا يمكن أن يحصل شخص على شهادة دكتوراة من غير أن يكون متوسم فيه الخير والصلاح فأجابني بكل براءة وماذا عن إسرائيل أو ليس فيها العديد من الدكاترة وهم كلهم من المعروف عنهم أنهم إلى جهنم؟
هنا لم استطع مجاراته في الكلام فاضطررت أن أحسب النقطة له هذه المرة إذ من الواضح أمر التناقض ما بين إعطاء الشهادة والعلم والمعرفة في الدكتوراة لمن يتوسم فيهم الخير والصلاح وأمر كيف أنه في إسرائيل هناك من لديهم هذا الأمر أعني شهادة الدكتوراة وهم في قمة الباطل.
هنا لدينا موضوع آخر في تعليم الكبار هو إلى أي مدى يمكن التعليم بحيث لا يعتبر نصف تعليم في حال توقف الأمر عند تلك النقطة من التعليم بعدها عليه من إكمال تعليمه إلى المرحلة التي تلي؟
يقال إن للإمام علي حديث عن أنصاف المتعلمين واصفا إياهم بأنهم أشد الناس شرا. وهناك حديث عن الرسول أن أشر الناس العلماء إذا فسدوا.
وربما لهذا السبب تم وضع بعض الضوابط في برامج محو الأمية والتي فيها مما فيها تعليم الكبار أنه إلى حد معين يمكن بعده التوقف لكن بعد ذلك لابد من ان يكمل الشخص التعليم إلى حد آخر معين.
كأن الأمر متابعة منحنيات السوق المالية والبورصات حيث فيها يمكن وضع دراسات تنبؤية عما سيحصل بواسطة متابعة حركة المنحنيات هنا يمكن الأمر نفسه بوضع حدود معينة ولو لحدين لا أكثر الأول أنه يمكن أن لا يكمل المرء بعده لكن إن تم عبور الحد الأول فيجب الوصول للحد الثاني.
ما زلت أتذكر كيف أن فتاة من بنات الجيران أنها لم تكمل سوى صف معين من صفوف الإبتدائية لكنها مع ذلك حصلت على مناصب رفيعة بعد ذلك لماذا لأنها وصلت للحد الثاني بعد ذلك. ومن طريف ما يذكر سماعي عن امر محو الأمية في اليابان.
بالطبع تفاجئنا من الأمر فاليابان فيها التعليم المجاني وفيها تشجيع رهيب على إكمال الدراسات وفيها أمر تعليم الكبار فعن أي محو أمية يتحدثون؟ وبعد بعض التمحيص والبحث اكتشفنا أن محو الأمية هذا هو محو أمية الإنترنت وليس محو أمية القراءة والكتابة إطلاقاً.
حاليا ومع الأسف فإن نسبة الأمية في العراق مثلا قد تخطت حدود الـ 50 بالمائة وفي سوريا ربما أكثر بسبب الحروب الأخيرة فما بالك بقية بلادنا العربية وما بالك بقية بلدان العالم من مثل الهند والصين؟
***
0 تعليق